178
سقى اللهُ بالزَّوْراءِ من جانب الغَرْب ... مَهًا وَرَدَتْ عين الحياةِ من القلبِ عفائفُ إِلاّ عن مُعاقَرَةِ الهوى ... ضعائف إِلاّ في مُغالبة الصَبّ عقائلُ تخشاها عُقيلُ بنُ عامرٍ ... كواعبُ لا تُعْطي الذِّمام على كَعْب إِذا جاذَبَتْهنَّ البوادي مَزِيّةً ... من الحسن شَبَّهْن البراقع بالنَّقْب تظلَّمْتُ من أَجفانهن إِلى النَّوى ... سفاهًا وهل يُعدي البِعاد على القُرب ولما دنا التوْديعُ قلتُ لصاحبي ... حنانَيْك، سِرْ بي عن مُلاحظة السِّرب إِذا كانت الأَحداقُ نوعًا من الظُّبى ... فلا شكّ أَن اللحظ ضَرْبٌ من الضَّرْبِ هَبُوني تعشَّقْتُ الفِراق ضَلالةً ... فأَصبحت في شِعبٍ وقلبيَ في شِعبِ فما لي إِذا ناديتُ يا صبرُ مُنْجِدًا ... خُذِلتُ، وَلَبَّى إِن دعا حُرقةً لُبّي تقضّى زماني بَيْنَ بَيْنٍ وهِجْرَةٍ ... فحتّامَ لا يصحو فؤاديَ مِنْ حُبِّ وأَهوى الذي يهوي له البدرُ ساجدًا ... أَلستَ ترى في وجهه أَثر الترب وأَعجبُ ما في خَمْر عَينيْه أَنها ... تُضاعف سُكْري كلما قلّلتْ شُرْبي إِذا لم يكن في الحُبّ عندي زيادةٌ ... تُرجّى فما فضل الزيارة عن غَبّ وما زال عُوّادي يقولون من بهِ ... وأَكتُمهم، حتى سأَلتهمُ من بي فصِرتُ إِذا ما هزّني الشوق نحوهم ... أَحلت عَذولي في الغرام على صَحْبي وقرأت في تاريخ السمعاني: أنشدنا أبو عبد الله القيسراني لنفسه بدير الحافر، منزل بين حلب وبالس: رنا وكأَنّ البابليّ المصفَقا ... ترقرق في جفنيْه صِرْفًا مُعَتَّقا وردّ يدًا عن ذي حَباب مُرَنَّق ... وحيّا به مِنْ وَجنتيْه مُرَوَّقا وبات، وشمسُ الكأْس في غسق الدجى ... تقابل منه البدرَ في بانة النَّقا ولي عبرات تستهلُّ صَبابةً ... عليه إِذا برق الغمام تأَلّقا أَلفت الهوى حتى حلت لي صروفهُ ... وربّ نعيم كان جالبَه شقا أَلذّ بما أَشكوه من أَلم الجَوى ... وأَفْرَق إِنْ قلبي من الوجد أَفرقا وأَذهل حتى أَحسب الصَدَّ والنوى ... بمُعْتَرَك الذكرى وِصالًا ومُلْتقى فها أَنا ذو حالين: أَمّا تلدّدي ... فحيٌّ، وأَمّا سَلوتي فلكَ البقا ولما وصلت إلى الشام والتسبت بالتخدمة النورية، وجدت موفق الدين خالدًا ولد القيسراني صدر مناصبها، وبدر مراتبها، ونجم كواكبها، بل شمس مواكبها. وجمعت بيني وبينه الصحبة، وضمتني إليه الرتبة، وتمهدت المحبة، وكان مستوفي المملكة وأنا منشيها تارة ثم مشرفها. ثم لما سيره نور الدين إلى مصر، قمت بعده بجميع الأمر، وكان نور الدين رفعه واصطنعه، وبلغ منه مبلغًا من الأمر كأنه أشركه في الملك معه، ولقد كان لبيقًا بذلك، حقيقًا به، وما زلنا سفرًا وحضرًا نتناشد ونتذاكر، ونتجاذب أطراف الحديث ونتحاور، ولعله قد أتى في الإنشاد على معظم شعر والده مذاكرة، وكنت أشاطره زماني في التصافي مشاطرة، وإنه قد بلغ إلى حد خدمه ممدوحو والده وقصدوه، ورجوه واجتدوه، وكأنه أنف من مدح والده لهم، وكره لنفسه كيف قصدهم وأملهم. ثم نظرت في ديوان القيسراني فألحقت بما سبق، وما وصل إلي من هذا النسق، وجلوت بزهر سوائره الأفق، وحليت بما راق ورق الورق. فمن ذلك قوله: عن خاطري نبأ الخيالِ الخاطرِ ... فأعجب لزورةِ واصلٍ من هاجرِ لم يعْدُ أَنْ جعل الرُّقاد وسيلةً ... فأَتى الجوانحَ من سَواد النّاظر ومنها: ولقد علمتُ على تباريح الجوى ... أَنّ السُّلُوَّ خرابُ قلبٍ عامر وإِذا استقلّ عن الفؤاد قطينهُ ... لم يبق منه سوى محلٍ داثر وله من قصيدة:

2 / 245