أحيط به، وانهالت عليه الصفعات: لص! - دعوني أتكلم. - تكلم يا جبان. - أنا زبون. - زبون! .. من قال إن بيتنا قهوة؟!
وانهالت عليه الأكف حتى صرخ، وأمسكوا عن ضربه مليا، وهم يقربون المصباح من وجهه مستطلعين. - أفندي! - عجوز! - سكران!
توسل قائلا: لنتفاهم بلا ضرب. - ماذا جاء بك إلى هنا؟ - زبون والله .. ومستعد أن أدفع إلى آخر مليم!
وانهالت عليه اللطمات بشدة حتى سقط تحت الأقدام، وحال أحدهم دون الاستمرار في ضربه؛ خشية أن يموت، ثم جرى لاستدعاء البوليس. ترك ملقى فوق أرض تربة وهو يغمغم: الله يسامحك يا فردوس!
ووقف الجميع أمام ضابط القسم، أدلت المرأة والرجال بأقوالهم، وسأله الضابط: ما أقوالك؟
أطل الوجه النحيل المتجعد المتورم في هيئة زرية، وقد انبسطت صلعته مكان الطربوش المفقود، وتدلى البابيون من بنيقة القميص الممزق، وتلطخت جاكتته السوداء بالجير والتراب، وتراقص شدقاه حول فم أثرم، وقال بصوت متعب: أقوالهم دليل عليهم، شهدوا بالاعتداء علي بلا سبب، إني أطالب بكشف طبي عاجل. - إنك سكران لحد الموت. - هذا شأني ما دمت لم أعتد على أحد. - ولكنك اعتديت على السيدة! - بل ذهبت وراءها إلى البيت كما تقضي الأصول! - الأصول؟ - نعم، كأي رجل. - بأي حق؟ - الحق المشروع، وأنت سيد العارفين. - تكلم ولا تضع وقتي! - طلبتها وفي نيتي أن أدفع لها أجرها، فانهالوا علي ضربا. - أتعترف بذلك؟ - طبعا، لست لصا ولا نصابا، ولكنني زبون قديم. - زبون؟! - نعم، ولا أطلب ذلك للهو أو الفجور، ولكنني أقدم للمجتمع خدمة مشكورة! - ما شاء الله! - إني أدرس أحوال النساء بالحي، وخدماتي مقدرة ومشكورة. - من كلفك بذلك؟ - واجب إنساني تطوعت له بلا تكاليف. - لا تتوهم أنك تخدع أحدا بسكرك الفاضح.
ابتسم الرجل ابتسامة بلهاء، ضرب كفا بكف، أجال بصرا زائغا متعبا في الوجوه، ثم تهاوى مغمى عليه. •••
فتح عينيه، فوجد نفسه مستلقيا فوق سرير في حجرة صغيرة ناصعة البياض، ذات رائحة طيبة. ومضت دقائق قبل أن يعرف أنه هو هو، وأنه في مكان. ودخل رجل لم يره من قبل، ولكنه ذو وقار وطابع رسمي. قال إنه المأمور، فنظر إليه باستغراب، وقال إنه يعرفه من قديم، ويذكر نشاطه مذ كان يكتب في الجرائد والمجلات. - الحق أنني كنت من قرائك المغرمين.
تمتم الرجل، وهو يتحسس جبينه وفكيه: فرصة طيبة. - عرفتك في القسم وأنت مغمى عليك، فأمرت لك بالإسعافات الضرورية، أرجو أن تكون أحسن. - أظن ذلك، ولكن لا فكرة عندي عما جرى. - لذلك قصة مؤسفة، ستتذكرها في حينها.
تجلت في عينيه نظرة ممتعضة، فقال المأمور: دعني أولا أتلو عليك المحضر. - المحضر؟
Unknown page