وبعد الزواج وجد حمدي نفسه ضائعا في لجة متلاطمة من المال، ولا مال لديه، ومن شخصية سهام الطاغية، ولا شخصية لديه، فقبل أن يكون تابعا لا متبوعا، مأمورا لا آمرا، طيعيا كالقضيب اللدن طاوع في الشكل اليد، على حد تعبير شوقي أمير الشعراء.
والغريب، وإن كان هو لم لا يستغرب أنه أصبح سعيدا بمكانه هذا، لا يريد عنه حولا أو منصرفا، حتى ليجزع إذا فكر يوما أنه سيضطر أن يكون متبوعا لا تابعا، آمرا لا مأمورا، حبيسا لا طيعا.
إلا أنه في هذه الغمرة، كان يبحث لنفسه عن وجود يمارس فيه كيانه، ويشعر في ميدان هذا الوجود أنه ما يزال حيا غير ميت.
حاول في المحاماة فخذلته شر ما يكون الخذلان، فهي مهنة يحتاج الناجح فيها أول ما يحتاج إلى شخصية، ويحتاج الناجح فيها إلى جهد، ويجب أن يبذل جهدا، وإلى أن يكون صاحب رأي يقف إلى جانبه.
وما هو بصاحب رأي فكان لا بد أن تخذله المحاماة.
حاول أن يكون أنيقا فلم يسعفه قوامه الأكرش القصير.
حاول أن يكون مهتما بأي شيء فلم يجد شيئا يستطيع أن يسمعه ويدعي الإعجاب به دون أن يسأله سائل عما فهم إلا الموسيقى؛ فهي أنغام ذات معنى عميق لمن يفهمها، ولا معنى لها لمن لا يفهمها، وعند الشرح يستوي الجاهل فيها والعالم، ويبدو الغبي كالذكي، والفاهم كمن لا يفهم.
وفي أطواء الخفاء كان يريد أن يشعر أنه رجل، وهذا الشعور كان لا يجرؤ على الانتفاض في عميق نفسه وهو في أحضان سهام. كان دائما يشعر أنه لا يفرض عليها حق الرجل على المرأة، وإنما كان يشعر أنها هي تمنحه تفضلا - ضمن ما تتفضل به عليه - جسم المرأة منها.
فهو في أحضانها موهوب له لا واهب، متفضلة هي عليه بلا تفضل منه. كان اللقاء بينهما ليس لقاء امرأة برجل، وإنما واجب تؤديه مع ما تؤدي من واجبات عليه أن يشكرها عليه كما عليه أن يشكرها على كل شيء آخر.
كان يريد أن يكون رجلا ككل رجل ينال اللذة ويعطيها، يمتع ويستمتع، يعطي ويأخذ، فإنه معها لا تعترف له بأي عطاء مهما يبذل.
Unknown page