كانت حفلة في بيت صديقتها سعاد هانم شهري ... وكانت هي تلبس فستانها الأسود اللامع، وتحيط رقبتها بذلك العقد من اللؤلؤ الذي أهداه إليها أبوها خالد بك، وأحست أن هيأتها ولبسها والجو الذي تثيره حولها من الحيوية والاعتزاز بالجمال والأناقة قد بلغ من دري ما تشتهي المرأة أن تبلغه من الرجل.
وكان دري في قوامه الطويل الذي يتناسب مع امتلائه بعض الشيء ملتقى للعيون والهمس؛ فحين تعلن الهمسة اسمه يحيط به ذلك العبق الذي يحيط بالناجحين من الرجال.
كانت ناهد في هذه الفترة من حياتها قد خرجت من موقعة عاطفية خاسرة؛ فهي تشعر أنها مهزومة، وتبحث عن انتصار يعيد إليها نفسها، وثقتها بكيانها أنثى وامرأة.
لم يكن من الصعب أن يتعارفا ... ولم يكن من الصعب أيضا أن يتيح لهما البيت الكبير ركنا يخلو فيه كل منهما للآخر. - أحس ألما في قدمي اليمنى. - ليس مثل الألم الذي بقلبي. - سلامتك. - كيف لم أعرفك إلا اليوم؟! - أنراك سريع التحرك في عملياتك الطبية كسرعتك في عملياتك العاطفية؟ - إنه مجرد اندهاش. - فقط؟ - فقط. - والألم في قدمي؟ - لا بد أن أفحصه. - طبعا. - مكان الفحص هو العيادة. - أعطني موعدا. - غدا الساعة السادسة. - أتحب أن أدفع الفزيتة الآن. - أظن أن معي ثمن البنزين الليلة. - أخشى أن يدفع زبون آخر، ويستولي على الموعد. - لا تخافي الزبائن هنا لا يدفعون. - هل أنت متأكد؟ - خبرة طويلة. - اتفقنا.
لم يكن عجيبا بعد ذلك أن تقوم الصلة بينهما، ولم يكن لدري شقة، ولم تكن العلاقة بينهما تحتاج إلى ذلك؛ فقد كانت لا تتعدى بعض قبلات متطايرة، وكان دري يحتاج إلى تظاهر بالتدله والوله؛ ليحصل على هذه القبلات. وفي يوم فوجئ بها تطلبه بالتليفون على غير موعد. - أراك؟ - كيف؟ - أمر عليك بالسيارة تنزلين. - وماذا أقول لأبي وأمي؟ - ليس من المحتم أن يعرفا. - إن لم يعرفا هما، فستعرف دادة آمنة لا شك. - ألا تقبل دادة آمنة الرشوة؟ - لم أجربها معها. - مغفلة. - لم أكن محتاجة، فلا تقل أدبك. - ولكنك الآن محتاجة. - لا يمكن، إنها تتصور أنني ملاك طاهر. - ألست كذلك؟ - لو كنت ما طلبتك. - حتى الطلب تعتبرينه شيئا يستحق الكلام؟ - أنت مجرم. - مجرم خائب، آخر ما وصلت إليه قبلة. - اسمع يا دري، القبلة التي تحصل عليها هي أقصى ما أستطيع أن أعطيه. - رضينا يا ستي. - ولو كلمتني في هذا الموضوع بعد ذلك، سأكف عن طلبك. - في عرضك. - فاهم؟ - فاهم. - لو وعدتني، وحلفت ألا تكلمني في هذا مرة أخرى، سألتقي بك الليلة. - كيف؟ - لا شأن لك، فقط احلف. - أحلف. - بماذا؟ - بك. - قديمة العب غيرها. - بشرفي. - بشرفك! - جديد وشرفك، إنه شرف دكتور يحترم نفسه. - سأرى مقدار اعتزازك بشرفك. - سترين. - سأقابلك في البيت. - في البيت؟ - في البيت.
وتم اللقاء، ولم ينل منها في البيت أكثر من القبلة أيضا، وتعود أن يذهب إلى هناك، وكانت آمنة تعرف دائما فلم تطق السكوت. - آخرتها. - لا أعرف يا دادة. - أنا خائفة. - أتخافين علي؟ - من كلام الناس. - لا تخافي. - اسمعي، لا بد أن نصنع شيئا. - وماذا نصنع؟ - أنت لا تصنعي شيئا، أنا سأصنع.
وفي ليلة وبينما هو معها يتحدثان فوجئ بأبيها وأمها يدخلان إليهما، ومن خلفهما آمنة.
وهم الوالد أن يبدأ المشاجرة المتفجرة، ولكنه كان أسرع منه. - يا سعادة البك أنا أخطب منك ابنتك. - تتزوجها الآن قبل أن تنزل. - أمرك. - أرسلي يا آمنة السائق يأتي بالمأذون، أو اذهبي أنت معه، ولا تعودي إلا ومعك المأذون. - أمرك يا سعادة البك. - وفي غد نعد لإقامة الفرح. - أمرك.
وتم الزواج على هذه الصورة، ومنذ ذلك اليوم وهو يحس أن هذا الزواج فرض عليه فرضا، كانت الحياة بينهما مستحيلة، هو زواج بكل معنى الزواج إلا أنه فاقد للروح.
كان يجلس إلى جانبي، وكنت أحس أن بيننا أزمان وبلدان، حتى وهو يعانقني كنت أحس أنه يعانق غيري، وأحس أن ذراعيه ذراعا رجل آخر. كانت القبلة التي يقبلها لي قبل الزواج أشد حرارة من الصلة الزوجية وهي قمتها.
Unknown page