291

وتقود القوى الرأسمالية الأبوية حملة عالمية ومحلية تدعو إلى جمع التبرعات أو المنح المالية أو الدراسية للشعب الأفغاني، وهي حملة تمويهية تغطي على جرائم الحرب، وتعطي واجهة إنسانية رحيمة لنظام بالغ القسوة والظلم، وقد رفضها بعض الرجال والنساء الأفغانيات إذ يقولون: «لا نريد المعونات التي لا تفعل شيئا سوى تصويرنا على أننا شعب من الشحاذين المتخلفين، وكل ما نريده هو أن يرحل عنا الاحتلال الأمريكي العسكري الاقتصادي وأعوانه ممن يسمون «التحالف الشمالي» أليس التحالف الشمالي جزء من نظام الطالبان الذي يتاجر بالدين، ويقتل النساء تحت اسم الشرف والأخلاق؟»

لقد سمعت بأذني عبر أسلاك التليفون هذه الأصوات النسائية الواعية في أفغانستان، إلا أن الأصوات الأخرى المسيطرة على الإعلام العالمي والعربي تتجاهل هذه الأصوات أو تفرض عليها الصمت.

وقد أصبح الصوت مع الصورة فوق الشاشة الصغيرة أكثر انتشارا في العالم من الكلمة المطبوعة، وأكثر تأثيرا، خاصة في بلادنا حيث ترتفع نسبة من لا يعرفون القراءة، وتتنافس الدول الكبرى والصغرى على إنشاء القنوات التليفزيونية والفضائية. يتغلب في هذا المضمار الدولة الأكثر ثراء وقوة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أصبحت قوة الإعلام الأمريكي الأوروبي تساند قوة السلاح، وأصبح تدمير العقل لا يقل خطورة عن تدمير الجسد.

وتشتد المقاومة من أجل الحياة ضد آلة الحرب والقتل، كما تزداد الرغبة في المعرفة والفهم ضد محاولات التضليل والتمويه.

وقد نمت بوادر فلسفة إنسانية جديدة نابعة من الحركات التحريرية ضد الحضارة الرأسمالية الأبوية غربا وشرقا، وهي فلسفة بسيطة واضحة متسقة مع المنطق الطبيعي السليم، أساسها البديهيات التي طمست منذ العبودية، على رأسها أن الحق فوق القوة، والشعب فوق الحكومة، والبشر في الأصل والطبيعة متساوون في الحقوق والواجبات، لا فرق بين رجل وامرأة أو أبيض وأسود وحاكم ومحكوم أو مالك ومملوك أو غيرها من الثنائيات، وأشكال التفرقة على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الجنسية أو الطبقية أو الدين أو العقيدة أو اللغة أو المهنة أو غيرها.

لقد سافرت إلى الولايات المتحدة قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 بأسبوع واحد، وعشت فيها ثلاثة شهور أقوم بالتدريس في جامعة مونت كلير، والتي لا يفصلها عن برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك إلا نهر هدسون، أو ساعة واحدة بالسيارة، وهكذا عايشت الأحداث عن قرب، وتجولت أيضا في عدد من الجامعات لإلقاء المحاضرات أو المشاركة في المظاهرات الطلابية الجامعية على الساحل الباسيفيكي في أوكلاند وسان فرانسيسكو، وفي جامعة مونت كلير تكونت لجنة ضد الحرب في أفغانستان تضم عددا من الطلبة والطالبات والأساتذة والأستاذات، وكنت واحدة من هؤلاء، وقد منحني هذا النشاط السياسي داخل الجامعة كثيرا من الأمل في المستقبل، رغم خطورة الأحداث وتزايد الصراع العسكري في أفغانستان حول المصالح البترولية في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى والبلاد العربية من العراق إلى الصومال.

وقد أدت هذه الحركة السياسية التحريرية المعادية للحرب، والتي يشارك فيها النساء والرجال والشباب من مختلف البلاد والجنسيات إلى بوادر هذه الفلسفة الإنسانية المناهضة للرأسمالية الأبوية، وهي فلسفة جديدة وقديمة قدم نشوء «الضمير الإنساني» الذي يحمل اسم «الله» عند بعض الشعوب، وهو الصوت العميق داخلنا الذي يحاسبنا ويرشدنا إلى العدل والحرية والحب والرحمة والجمال.

أدت الفلسفة العبودية غير الإنسانية على مدى القرون إلى إضعاف الضمير الإنساني الفردي والجماعي، عن طريق تحويل الصراع ضد الظلم الخارجي السياسي، والاقتصادي إلى الصراع داخل الإنسان بين العقل والجسد، أو بين الجسد والروح، وأصبحت الروح تعني الفضيلة وترمز إلى الإله الذكر، والجسد يعني الرذيلة وتركز إلى الأنثى الآثمة.

وسقطت الفلسفة السائدة المكتوبة في العصور العبودية صريعة هذا الصراع اللانهائي بين الروح والعقل والجسد، أصبحت الفلسفة غارقة في المجردات غامضة أشبه بالسفسطة الفارغة داخل الغرف المغلقة، بعيدا عن الحياة في البيت والشارع والمظاهرات الشعبية ضد النظام الحاكم.

بعبارة أخرى انفصلت الفلسفة الرسمية السائدة منذ أرسطو حتى اليوم عن «رجل الشارع»، أو جماهير الشعب في حركتهم اليومية الحية ونشاطهم في نواحي الحياة خاصة النواحي السياسية والثقافية.

Unknown page