233

لا شك أن «شارون» ملاك طيب محب للسلام، أما الشياطين في فلسطين، فهم هؤلاء الأطفال الشباب الذين يواجهون الدبابات الإسرائيلية بصدورهم العارية أو بقطع من الحصى والطوب، هؤلاء الشياطين الصغار هم سبب الإرهاب وإراقة دماء الإسرئيليين الأبرياء!

ولماذا لم ترد «الصين» في محور الشر؟ هل لأن عدد الصينيين أصبح يزيد عن بليون و300 مليون نسمة، ويمكن لهؤلاء أن يزحفوا كالنمل على أي دولة ومنها أمريكا العظمى ويأكلوها كما يأكل النمل الزرع؟ أم لأن جورج بوش يزور الصين هذه الأيام، ضمن لعبة السياسة، وفساد الفلسفة البراجماتية التي تقول: حاول أن تأكل عدوك قبل أن يأكلك، وكل وسيلة مشروعة حتى القتل من أجل بلوغ الغاية والهدف؟

تبتلع الصين مرارتها من السياسة الأمريكية ومحاولاتها لخلق الأعداء على حدودها في تايوان والتبت، والفتن الدينية المصنوعة بين الكاثوليك والبروتوستانت في الجنوب.

يلعب النظام الأمريكي بورقة الدين لتقسيم الشعوب وإخضاعها، على غرار الاستعمار البريطاني القديم، الذي فجر الفتن الدينية والطائفية من الهند إلى مصر خلال القرن العشرين.

لكن الصين تشارك في اللعبة، ولها أغراضها ومصالحها من الحرب ضد الإرهاب في جنوب آسيا وشمال كوريا، وفي الصراع بين الهند وباكستان، وفي كسب بعض الأرباح الرأسمالية من التجارة العالمية المشتركة.

وأتابع قراءة الصحف في نيويورك خلال فبراير 2002، بعد عودتي من بورتو أليجري في البرازيل، فتصيبني أكاذيب الصحف العالمية والعربية بالغضب؛ كيف تتخلى الحكومات العربية عن مسئوليتها عن الدفاع عن شعوبها بما فيها الشعب الفلسطيني تحت سيل من العبارات الرنانة الخادعة؟!

أكثر الناس تشدقا بالقضية الفلسطينية في بلادنا أقلهم عملا للدفاع عن حقوق هذا الشعب أو غيره من الشعوب العربية، لتتسع الهوة بين القول والعمل. (2) الرومانتيكية والغموض في السياسة الفاسدة

كنت أسمع أبي منذ طفولتي يتحدث عن «المراوغة» التي يستخدمها الاستعمار البريطاني في مفاوضته مع مصر لإنهاء الاحتلال العسكري لبلادنا، كان أبي يقول دائما: لا أفهم شيئا من كلام هؤلاء الإنجليز لأنه غامض وغير محدود، وغارق في الكلمات العامة المجردة ذات الرنين العاطفي المزيف!

أتذكر كلمات أبي وأنا أقرأ عن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، يلعب الإسرائيليون بالكلمات وبالألفاظ العامة الغامضة لمجرد كسب الوقت ولقتل أكبر عدد من الفلسطينيين.

في صحف نيويورك (14 فبراير 2002) أرى صورة «شيمون بيريز» وهو يقدم عرضا جديدا للسلام، لا يحدد فيه شيئا عن أي شيء يخص القضية الفلسطينية، حدود الدولة المقترحة مثلا، أو شيئا عن عاصمة الدولة أو مدينة القدس، أو مشكلة المستوطنات الإسرائيلية أو غير ذلك من المشاكل المزمنة المعلقة، ويقول للصحف: أجل أيها السادة، إني أعرض اقتراحا جديدا غامضا غارقا في الرومانتيكية، لكنه الغموض الإيجابي البناء الذي قال به كيسنجر، حيث إنه قال: «إن عمليات السلام والحرب تتم دائما في الضوء الخافت، وليس في ضوء النهار الساطع.» أجل، كم كان كيسنجر محبا للرومانتيكية والأضواء الخافتة في رحلاته المكوكية إلى بلادنا في عهد السادات، وكم أدت عواطفه الغامضة إلى دمار الوحدة العربية والهزائم المتكررة للعرب أمام إسرائيل.

Unknown page