228

كان ذلك آخر لقاء لي مع توفيق الحكيم، لوحت له بيدي مودعة، وأقول له اليوم «وداعا» بعد أن تأخرت في وداعك خمسة عشر عاما.

القاهرة، 27 يوليو 2002

اختيار الصعب

تكشف الحوادث اليومية عن القيم الغائبة في الفكر المعاصر في بلاد العالم وفي بلادنا، ينشغل أغلب الناس بالسهل السريع العائد، مثلا في أمريكا ينشغل أغلب المثقفين بالحمى الانتخابية بين الحزبين المتنازعين على السلطة، يتبادل المرشحون الاتهامات، يحاول كل منهم خداع أكبر عدد من الناس بالوعود التي لا يمكن تحقيقها في ظل النظام الحاكم الذي ينطوي جميعهم تحته.

ضحكت وأنا أستمع إلى وعود جورج بوش (الابن) وآل جور (نائب كلينتون)، كلاهما سوف يقضي على الفقر والبطالة.

ألم نسمع المرشحين السابقين يقدمون هذه الوعود نفسها؟ هل قضى أحد منهم على الفقر في أمريكا؟ بل لقد زادت الهوة بين الفقراء والأغنياء!

بالمثل ضحكت وأنا أستمع إلى وعود المرشحين في بلادنا، يجولون في الحواري الطافحة بالمجاري، يقدمون الوعود نفسها للفقراء، سوف نقضي على الفقر والبطالة إن دخلنا البرلمان أو مجلس الشعب، يقولون ذلك في الصباح، وفي المساء يجلسون إلى مائدة العشاء مع الوزراء والمسئولين عن السياسة الاقتصادية المؤدية إلى الفقر والبطالة، دون أن يعترضوا على هذه السياسة، لأسباب متعددة منها عدم الفهم لما يسمى الإصلاح الاقتصادي، أو التنمية التي تؤدي إلى توسيع الهوة بين الفقراء والأغنياء، ومنها الخوف من نقد أصحاب السلطة، أو تجاوز حدود النقد المرسومة، أو تجاوز الخطوط الحمراء، مما قد يعرضهم للخطر، وليس فقط السقوط في الانتخابات.

أغلب الناس في بلاد العالم (ومنها بلادنا) لا يذهبون إلى صناديق الانتخاب، لقد أدركوا اللعبة على مر السنين، منذ نشوء ما سمي البرلمان، وهل نجح البرلمان في القضاء على الفقر في أمريكا أو أوروبا أو أي بلد آخر في العالم؟ ولماذا تزيد الهوة على الدوام بين الفقراء والأغنياء وبين النساء والرجال، تعاني النساء أكثر إلى حد شيوع الظاهرة التي عرفت باسم تأنيث الفقر؟ وهل نجح البرلمان في القضاء على الفروق بين الناس (بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو اللون أو غيرها) أم أن هذه الفروق زادت وانتشرت الحروب والنزاعات الطائفية والعرقية والعنصرية؟

ثم لماذا تشجع الحكومات الناس على المشاركة في الانتخابات؟ أليس هذا دليلا على أن هذه الانتخابات جزء من نظام الحكم القائم على إفقار الأغلبية من النساء والرجال وخداعهم؟ وجزء من القيم التي تحكم العالم القائمة على القوة وليس الحق؟ ألسنا في حاجة إلى طرح أسئلة جديدة لنفهم لماذا يتراجع أصحاب الحق أمام أصحاب القوة المسلحة أو القوة الاقتصادية؟

انظروا كيف أصبح القرار الأعلى في يد دولة عسكرية عنصرية مثل إسرائيل، تقتل الأطفال ثم تخرج من الساحة بريئة، ويصبح الأطفال هم المدانون المعتدون؟ في ظل النظام البرلماني الديمقراطي في العالم يتحول الضحايا إلى جناة، ويطلق سراح القتلة ، أسمعتم ما قاله كوفي عنان المسئول الأول في الأمم المتحدة؟ لقد أدان الأطفال وطالبهم بإيقاف عدوانهم على إسرائيل المسكينة، شيء مضحك فعلا، لكن لماذا نذهب بعيدا وهذا المنطق ذاته يحكم حياتنا اليومية هنا في عقر دارنا؟

Unknown page