260

Kashif Amin

الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين

فنقول وبالله نصول: الإدراك يأتي في اللغة بمعنى: اللحوق، يقال فلان أدرك الصحابة، وفلان أدرك فلانا في محل كذا -أي لحق به-، وبمعنى: البلوغ، يقال قد أدرك الغلام -أي بلغ-، وبمعنى: يناع الفاكهة وصلاحها، يقال: قد أدرك الثمر إذا صلح وينع، وبمعنى: إدراك المحسوس بإحدى الحواس الخمس، فيعلق حينئذ بذلك المحسوس ليميز عن غيره كأدركت صوت فلان في المسموع، أو ريح كذا في المشموم، أو لون كذا أو شبح كذا في المبصر، أو طعم كذا في المطعوم، أو حرارته أو برودته في الملموس، ويقيد بذكر المخصوصة به كأدركت ببصري أو سمعي أو نحو ذلك، فإذا ذكر معه أي الحواس الخمس أو الخمس الجوارح أو الخمس المحسوسات علم أنه المراد، فإن أسند ذلك الإدراك إلى الإنسان نفسه ثم عدى الفعل بعد ذلك إلى تلك الحاسة بحرف الجر كأدركت ببصري فالإسناد على حقيقته،وإن أسند ذلك الإدراك إلى الحاسة أو الجارحة فالإسناد مجازي وهو نوع من الفصاحة والبلاغة ليفيد التأكيد للإثبات في الإثبات كقولك: هذا شيء أدركته الأبصار وعقلته الأفكار، وللنفي في النفي كقولك ما أدركته الأبصار ولا نالته الأفكار، ومنه قوله تعالى: { لا تدركه الأبصار{ فإن الإسناد إلى الأبصار مجاز، لأنه لا يخفى على عارف باللغة ووجوه البلاغة والفصاحة أنه لا معنى للإسناد الحقيقي إلى نفس المعاني القائمة بالجوارح ولا إلى نفس الجوارح وإنما المراد المبالغة في ذلك، ولأنه لا يشتبه على العارف بالله تعالى وحكمته أنه لا يصح منه تعالى الإسناد الحقيقي إلى المعاني التي هي نفس البصر المركب في العين ونفس السمع المركب في الصماخ اللذين امتن الله على المخلوقين بهما قال تعالى: {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون} [السجدة:9]، وكذلك لا يصح منه تعالى الإسناد الحقيقي إلى الجوارح التي هي نفس العين ونفس الأذن.

Page 287