Kashif Amin
الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين
Genres
التاسع: الاتصاف بكون الحي عالما صفة مدح بكل حال سواء كان معلومه حسنا أو قبيحا، والجهل صفة نقص لا بكل حال بل فيما إذا كان في الجهل به مفسدة كالجهل بالصانع تعالى وما يجب له من الصفات الإثباتية والنفيية التي لا يتميز عن غيره إلا بها، لأن الجهل بذلك يؤدي إلى كفر نعمته وأمن نقمته وعدم القيام بطاعاته واجتناب معاصيه، وكذلك الجهل بما لا يتم ذلك إلا به كالعلم بعدله تعالى وحكمته على الجملة، والعلم بالنبوات والشرائع، وصدق الوعد والوعيد، وسائر ما جاءت به الرسل من أحوال المعاد المعلومة من الدين ضرورة، كالبعث والنشور والجنة والشفاعة ونحوها، وما يتصل بذلك مما هو كالتتمة لذلك كالعلم بوجوب الإمامة ومعرفة الإمام بعده صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أخبرنا بثبوت إمامته قطعا كالحسنين عليهما السلام وإمام العصر بعدهما، والعلم بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وكذلك الجهل بجميع أحكام الشريعة من العبادات والمعاملات، وكذلك الجهل بما هو وصلة إلى ذلك، والأدلة كعلوم التفسير وعلوم العربية من نحو وصرف ولغة وبيان، وكذلك الجهل بما فيه منفعة الإنسان أو مضرته من أمور معيشته مما لا بد له في حياته وطيبها وسلامته منه، وما عدا ذلك مما يجهله الإنسان من العلوم لا قبح في الجهل بها ولا نقص إلا في حق العالم بذاته تعالى، وإلا لزم اتصاف الملائكة والأنبياء عليهم السلام والعلماء رحمهم الله تعالى بالقبح وصفة النقص، إذ لا يعلم كل شيء غير الله عز وجل، ولقوله تعالى مخاطبا لخاتم النبيين وغيره من المخاطبين: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا{، وإنما قلنا: إن العلم حسن بكل حال، لأنه إما أن يتعلق به الحكم الشرعي على وجه ترجيح فعله على تركه لزوما كالواجبات أو من باب الأولى كالمندوبات أو على وجه ترجيح الترك على الفعل لزوما كالمحرمات أو من باب الأولى كالمكروهات أو على سبيل استواء حالتي الفعل والترك كالمباحات، فلزم حسن جميع العلوم إلا ما كان منها شاغلا عما هو أهم منه كالهندسة ومساحة الأرض والكيمياء والقصص الخارجة عما فيه اعتبار المكلف وكتعلم الفلسفة المفضية إلى الإلحاد، وتعلم السحر إذا كان القصد العمل به لا لتوقيه، فقبح ذلك لا لذاته بل لما عرض من كونه شاغلا أو نحو ذلك، فظهر لك أن العلم في ذاته حسن بكل حال، والجهل به قبيح في بعض الأحوال، وهذا بالنسبة إلى الجهل البسيط: وهو عدم العلم بالشيء أعني أن قبحه في بعض الأحوال وليس بقبيح في بعضها، فأما الجهل المركب فهو قبيح بكل حال: وهو اعتقاد المعلوم على خلاف ما هو عليه لأن اعتقاده على خلاف ما هو عليه نوع من الكذب والخرص إن كان لا عن شبهة وقد قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء:36].
فينبغي للمكلف الاشتغال من العلوم بالأهم فالأهم وهو ما كان متعلقا بالمصالح الدينية أصولها وفروعها ومعقولها ومسموعها، وتجنب الجهل حيث يقبح ما استطاع، وعدم الاشتغال بالعلوم التي لا نفع فيها ولا ضرر في الجهل بها، وقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم: مر بناد في قريش وهم جلوس حول رجل يستمعون منه فقال: "ما هذا؟ فقيل له: علامة يستمعون منه فقال: ماذا يسمعون منه؟ فقالوا: أشعار العرب وأنسابها فقال صلى الله عليه وآله وسلم: علم لا ينفع وجهل لا يضر"، وهذا من جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وآله وسلم، وما ذكرناه يعود إلى معناه والله أعلم.
العاشر: فيما يجري على الله من الأسماء بمعنى عالم، وفيما لا يجوز منها وإن أفاد العلم وصفة المدح في الشاهد.
فالذي يجري على الله تعالى بمعنى كونه عالما عليم وعلام، وداري وعارف عند البعض، وصححه شيخنا رحمه الله تعالى وحجة من منعه: أن المعرفة هي العلم المسبوق بالجهل.
Page 151