55
ورسوله، وصرح بتكفيرهم، والبراءة منهم عادوه وآذوه ولا بد، فهذه كانت حال رسول الله ﷺ، وسيرته، ودعوته إلى الله، ومع ذلك فهو أرحم الناس، وأحسنهم تلطفًا، ودعوة إلى الله، ولنا في رسول الله أسوة حسنة كما قد بيناه فيما مضى. وأما قوله: "فأمرهم بالصبر في مواضع من القرآن والأحاديث". فأقول: هذا حق وهو خلاف ما تدعون، فإنه أمرهم بالصبر على الأذى، وعلى الدعوة إلى الله، وتحمل المشاق، ولم يأمرهم بالصبر عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى التسلك مع الناس، والتطلف لهم، مع الإصرار على معاصي الله، لأن في نهيهم، وأمرهم بما أمر الله به ورسوله تنفيرًا لهم عند هؤلاء الجهال، وقد تقدم من كلام الأئمة ما يكفي ويشفي لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ومن المعلوم أن الصبر من صفات عباد الله المخلصين، كما شاع وذاع، وفي صفى الإمام أحمد ﵀ "عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، أتته البدع فنفاها، والدنيا فأباها "وهذه حال أئمة المتقين الذين وصفهم الله في كتابه بقوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ١ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة:٢٤] فبالصبر تترك الشهوات،

١ في الأصل "وجعلناهم أئمة" وهو خطأ.

1 / 58