ثم إن رسول الله انصرف إلى المدينة كثيبا حزينا، وجعلت المرأة تجىء وأبوها أو ابنها مقتولون، وهي تلتذم، أى تضطرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، إن الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من أثمارها، وتسرح في الحنة حيث شاعت، وتأوي على قناديل من ذهب، معلقة تحت العرش».
فلما رأوا طيب مقيلهم ومطعمهم ومشربهم (134) ورأوا ما أعد الله لهم من الكرامة، قالوا: يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم، وما صنع الله بنا، كي يرعبوا في الجهاد، ولا ينكلوا عنه، قال الله: أنا مخبرهم عنكم، ففرحوا بذلك واستبشروا، فأنزل الله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أخيآء عند رببهم يرزقون) [آل عمران: 169. الآيات. فهم أحياء عند ربهم ببقاء الذكر كما قيل شعرا:
موت التقى حياة لا فناء لهاقد مات قوم وهم في الناس أحياء
وفيل: سماهم أحياء، لأنه يكتب لهم ثواب كل غزوة، ويشركون في فضل ثل جهاد يكون في الدنيا إلى يوم القيامة. وقيل: لأن الشهيد لا يبلى، ولا تأكله لأرض، وقيل: أربعة لا تبلى أجسامهم: الأنبياء، والعلماء، والشهداء، وأئمة العدل.
وقيل: خرب السيل قبر شهيدين من شهداء أحد، فوجدا لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد جرح، ووضع يده على جرحه، فرفعت عن الجرح، ثم أرسلت، فعادت كما كانت. وكان ما بين دفنهما، إلى أن حهر عنهما السيل ست وأربعون سنة.
وقيل: إن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد، وبلغوا الروحاء،
Page 359