79

Kashf Asrar

كشف الأسرار شرح أصول البزدوي

Publisher

شركة الصحافة العثمانية

Edition Number

الأولى

Publication Year

مطبعة سنده ١٣٠٨ هـ - ١٨٩٠ م

Publisher Location

إسطنبول

مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ الْحَيْضُ لِأَنَّا إذَا حَمَلْنَا عَلَى الْأَطْهَارِ انْتَقَصَ الْعَدَدُ عَنْ الثَّلَاثَةِ فَصَارَتْ الْعِدَّةُ قُرْأَيْنِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ وَإِذَا حَمَلْنَا عَلَى الْحَيْضِ كَانَتْ ثَلَاثَةً كَامِلَةً وَالثَّلَاثَةُ اسْمٌ خَاصٌّ لِعَدَدٍ مَعْلُومٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ كَالْفَرْدِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَالْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ هَذَا بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالْإِبْطَالِ ــ [كشف الأسرار] الْعَمَلَ يَجِبُ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْبَيَانَ قَوْله تَعَالَى، ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ﴾ [البقرة: ٢٢٨] الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ قُلْنَا نَحْنُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ وَلْيَتَرَبَّصْ الْمُطَلَّقَاتُ الْمَدْخُولُ بِهِنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] أَيْ مُضِيَّ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ بِهِ كَقَوْلِك الْمُحْتَكِرُ يَتَرَبَّصُ الْغَلَاءَ، أَوْ مُدَّةَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ عَلَى أَنَّهَا ظَرْفٌ، وَالْمُرَادُ بِالْقُرُوءِ الْحِيَضُ عِنْدَنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ﵃ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمُرَادُ بِهَا الْأَطْهَارُ، وَهُوَ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ ﵃ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهَا بِالِاتِّفَاقِ وَالشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ فَقُلْنَا لَوْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى الْأَطْهَارِ انْتَقَصَ الْعَدَدُ عَنْ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ؛ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ يُنْتَقَصُ ذَلِكَ الطُّهْرُ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ لَا مَحَالَةَ إذْ الْمُرَادُ مِنْ الطُّهْرِ هُوَ الطُّهْرُ الشَّرْعِيُّ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ دَمَيْ تَرْكٍ بِالِاتِّفَاقِ لَا مُسَمَّى الطُّهْرِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ أَقَلَّ وَلَمَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ ثُمَّ هُوَ مَحْسُوبٌ مِنْ الْعِدَّةِ عِنْدَ مَنْ حَمَلَ الْقُرُوءَ عَلَى الْأَطْهَارِ فَيُصَيِّرُ الْعِدَّةَ قُرْأَيْنِ وَبَعْضَ قُرْءٍ وَالثَّلَاثَةُ اسْمٌ خَاصٌّ لِعَدَدٍ مَعْلُومٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْخَمْسَةِ الْأَرْبَعَةُ وَلَا السِّتَّةُ مَعَ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ وَبِالْعَكْسِ جَائِزٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْدَادِ أَعْلَامٌ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ سِتَّةٌ ضِعْفُ ثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٌ نِصْفُ ثَمَانِيَةٍ مِنْ غَيْرِ انْصِرَافٍ لِلْعِلْمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ وَالنَّقْلُ لَا يَجْرِي فِي الْإِعْلَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلْنَا عَلَى الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ لَا تُحْتَسَبُ تِلْكَ الْحَيْضَةُ بِالِاتِّفَاقِ فَيُكَمِّلُ الْأَقْرَاءَ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ عَمَلًا بِهَذَا اللَّفْظِ الْخَاصِّ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ فَيَكُونُ الْحَمْلُ عَلَى وَجْهٍ يُوَافِقُ الْكِتَابَ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى وَجْهٍ يُخَالِفُهُ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى، ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧]، حَيْثُ أُرِيدَ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ، وَهُوَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ اسْمٌ عَامٌّ فَيَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ وَيُرَادَ بِهِ الْبَعْضُ كَمَا أُرِيدَ مِنْ قَوْله تَعَالَى، ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ﴾ [آل عمران: ٤٢]، جِبْرِيلُ ﵇ وَمِنْ قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤] قَلْبَاكُمَا فَأَمَّا أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ فَأَعْلَامٌ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا جَازَ إذَا رَأَى رَجُلَيْنِ أَنْ يَقُولَ رَأَيْت رِجَالًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ رَأَيْت ثَلَاثَةَ رِجَالٍ ﴿فَإِنْ قِيلَ﴾ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْحِيَضِ مُخَالَفَةٌ لِلنَّصِّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ ازْدِيَادُ الْحَيْضِ عَلَى الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ لَا يَحْتَسِبُ تِلْكَ الْحَيْضَةَ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجِبُ التَّرَبُّصُ حِينَئِذٍ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَبَعْضِ الرَّابِعِ وَاسْمُ الثَّلَاثَةِ كَمَا لَا يَحْتَمِلُ النُّقْصَانَ لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ، وَالثَّانِي أَنَّ الْهَاءَ عَلَامَةُ التَّذْكِيرِ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَدَدِ يُقَالُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ وَالْحَيْضَةُ مُؤَنَّثَةٌ وَالطُّهْرُ مُذَكَّرٌ فَدَلَّتْ الْعَلَامَةُ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقُرُوءِ الْأَطْهَارُ ﴿قُلْنَا﴾ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ الِازْدِيَادَ ثَبَتَ ضَرُورَةَ وُجُوبِ التَّكْمِيلِ فَلَا يُعْبَأُ بِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَطْهُرَ كَمَا لَوْ قَالَ حَيْضَةً وَقَدْ وَجَبَ تَكْمِيلُ الْأَوْلَى بِالرَّابِعَةِ فَوَجَبَ بِتَمَامِهَا ضَرُورَةً عَدَمُ

1 / 80