134

Kashf Asrar

كشف الأسرار شرح أصول البزدوي

Publisher

شركة الصحافة العثمانية

Edition Number

الأولى

Publication Year

مطبعة سنده ١٣٠٨ هـ - ١٨٩٠ م

Publisher Location

إسطنبول

فَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلَا يَحْتَمِلُ هَذَا الْوَصْفَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] وَقَدْ يَدْخُلُ إحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ فِي قِسْمِ الْعِبَارَةِ الْأُخْرَى ــ [كشف الأسرار] يُقَالُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ تَفْسِيرِ الْأَدَاءِ يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ أَدَّى النَّفَلَ، وَهُوَ لَيْسَ بِتَسْلِيمِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ جَامِعًا يُقَالُ هَذَا قِسْمٌ آخَرُ وَمَا ذَكَرْنَا قِسْمٌ آخَرُ إذْ نَحْنُ فِي تَفْسِيرِ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ مُوجِبُ الْأَمْرِ فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ نَقْضًا عَلَيْنَا قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلَا يَحْتَمِلُ هَذَا الْوَصْفَ)، وَهُوَ دُخُولُ النَّفْلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْمَتْرُوكِ مَضْمُونًا وَالنَّفَلُ لَا يُضْمَنُ بِالتَّرْكِ. وَأَمَّا إذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ صَارَ مُلْحَقًا بِالْوَاجِبِ لَا؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ كَمَا قَبْلَ الشُّرُوعِ قَوْلُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلٌ، بِقَوْلِهِ الْأَدَاءُ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْوَاجِبِ وَاسْتِشْهَادٌ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي تَسْلِيمِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ، وَذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ طَلَبَ الْمِفْتَاحَ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ وَكَانَ يَلِي سِدَانَةَ الْكَعْبَةِ فَوَجَّهَ إلَيْهِ عَلِيًّا ﵁ فَأَبَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَقَالَ لَوْ عَلِمْت أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أَمْنَعْهُ الْمِفْتَاحَ فَلَوَى عَلِيٌّ ﵁ يَدَهُ وَأَخَذَهُ مِنْهُ قَسْرًا حَتَّى دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ اجْمَعْ لِي السِّدَانَةَ مَعَ السِّقَايَةِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمِفْتَاحَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيًّا ﵁ بِرَدِّهِ إلَيْهِ فَرَدَّهُ إلَيْهِ وَأَلْطَفَ لَهُ فِي الْقَوْلِ وَاعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ لِعَلِيٍّ ﵁ أَكْرَهْت وَآذَيْت ثُمَّ جِئْت تَرْفُقُ قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِي شَأْنِك قُرْآنًا وَأَمَرَنَا بِرَدِّهِ عَلَيْك، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَأَتَى النَّبِيَّ ﵇ وَأَسْلَمَ ثُمَّ إنَّهُ هَاجَرَ وَدَفَعَ الْمِفْتَاحَ إلَى أَخِيهِ شَيْبَةَ فَهُوَ فِي وَلَدِهِ إلَى الْيَوْمِ»، وَأَمَانَةٌ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الشَّيْءُ الَّذِي يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ أَمَانَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁ الْأَمَانَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْجَنَابَةِ وَفِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ. وَذَكَرَ فِي عَيْنِ الْمَعَانِي قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ الَّتِي هِيَ أَمَانَةُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي حَمَّلَهَا الْإِنْسَانَ وَحِفْظُ الْحَوَاسِّ الَّتِي هِيَ وَدَائِعُ اللَّهِ ﷻ ثُمَّ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ مُودَعَةٍ عِنْدَهُ، فَإِذَا أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ مُرَاعِيًا حَقَّهُ بِأَقْصَى الْإِمْكَانِ كَانَ أَدَاءً بِمَنْزِلَةِ تَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَدِيعَةِ وَإِذْ قَصَّرَ فِي رِعَايَتِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْخِيَانَةِ فِي الْأَمَانَةِ فَكَانَ قَضَاءً إذْ الْخِيَانَةُ فِي الْأَمَانَةِ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَأَدَاءُ الضَّمَانِ قَضَاءٌ حَقِيقَةً لَا أَدَاءٌ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ، وَاعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ الْأُصُولِيِّينَ قَسَّمُوا الْوَاجِبَ إلَى أَدَاءً وَقَضَاءٍ وَإِعَادَةٍ، ثُمَّ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ الْأَمْرَ حَقِيقَةً فِي النَّدْبِ فَسَّرَ الْأَقْسَامَ فَقَالَ: الْأَدَاءُ تَسْلِيمُ عَيْنِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ أَيْ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا وَالْقَضَاءُ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ شَرْعًا، وَالْإِعَادَةُ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ بِأَنْ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلُ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ فَأَدَّاهُ عَلَى وَجْهِ النُّقْصَانِ وَهُوَ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَهِيَ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ كَذَا ذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ، فَعَلَى هَذَا إذَا فَعَلَ ثَانِيًا فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ إعَادَةً، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ الْوَاجِبُ إذَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ وَيُسَمَّى أَدَاءً وَإِذَا فُعِلَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ الْمُضَيَّقِ أَوْ الْمُوَسَّعِ يُسَمَّى قَضَاءً؛ وَإِنْ فُعِلَ مَرَّةً عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْخَلَلِ ثُمَّ فُعِلَ ثَانِيًا فِي وَقْتِهِ الْمَضْرُوبِ لَهُ يُسَمَّى إعَادَةً فَالْإِعَادَةُ اسْمٌ لِمِثْلِ مَا فُعِلَ مَعَ ضَرْبٍ مِنْ الْخَلَلِ

1 / 135