Kawāshif zayūf
كواشف زيوف
Publisher
دار القلم
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤١٢ هـ - ١٩٩١ م
Publisher Location
دمشق
Genres
الوراء، ويغفلُ عن سبْرِ احتمالات الرجوع وتقويم كلٍّ منها بقيمته الحقيقية، التي تعتمد على موازين الحق والخير والفضيلة والجمال.
الرجوع مثل التقدم، هو من الأمور النسبية، التي ليس لها حقيقة ثابتة دوامًا، فما هو وراء الإنسان إذا اقترب منه وظهره إلى جهته كان اقترابُه منه رُجوعًا، وإذا أدار إليه صدره ثمّ اقترب منه كان ذلك تقدّمًا.
والرّجوع تقدّر قيمته بحسب غاية مسيرته وحركته، فإذا كانت الغاية سعادةً وخيرًا، كان الرجوعُ فضيلةً وعقلًا، وإذا كانت الغايةُ شقاءً وشرًّا، كان الرجوعُ رذيلةً وجهلًا وحماقةً، وإذا كان الرجوعُ إلى ما لا فائدة فيه ولا مضرَّة، كان الرُّجوعُ جهدًا ضائعًا.
فالرجوع عن الباطل إلى الحق من أكبر الفضائل وأكثرها تعبيرًا عن خلق الإنسان الرفيع.
والرجوع إلى صراط الهدى بعد تنكبُّه والانحراف عنه من فضائل السلوك المثلى، وهو من التوبة التي تعيد الإنسان إلى الصحة بعد المرض، وإذا كان كلُّ بني آدم خطّاءً، فإن خير الخطّائين التوابون، وهم الرجاعون إلى الطاعة والاستقامة بعد الانحراف والمعصية، كما جاء في الحديث الصحيح: "كل بني آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون".
ومن تاب إلى الله - أي: رجع إلى ربّه بالامتثال والطاعة - تاب الله عليه - أي: رجع الله مقبلًا عليه ومنعمًا عليه بعفوه ورحمته وعوائده وفضله.
ومن انحدر من القمة إلى ما دونها حتى الحضيض، فمن الخير له أن يرجع إلى القمة التي كان عليها، وهذا الرجوع هو الذي يعيده إلى المجد والعلاء.
ومن فقد عِزَّةً أو مكانةً اجتماعية أو مالًا أو شيئًا حبيبًا عنده، فمن سعادته أن يرجع ذلك إليه.
ومن تراجع ليتفادى خطرًا مقبلًا عليه فَنَجَا، كان تراجعه من كمال عقله وحكمته.
1 / 242