172

Karahiyya Sadaqa Ghazal Hubb Zawaj

كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج

Genres

كان على هذه الحال نفسها حين كان يدرس لنا الموسيقى في المدرسة. يدخل إلى الفصل بخطوة رجل لا يمكنه أن يضيع دقيقة واحدة، ثم يدق دقة بعصاه الصغيرة فيكون هذا إيذانا بأن نبدأ. يسير متبخترا بين صفوف المقاعد بأذنيه المرهفتين، وعيناه الزرقاوان بارزتان ويقظتان، وعلى وجهه تعبير متوتر وعدواني. وفي أي لحظة قد يتوقف محاذيا لمقعد أي منا، منصتا إلى غنائه؛ كي يتبين إن كان يتظاهر بالغناء أو ينشز عن النغمة المطلوبة. ثم كان يخفض رأسه ببطء، وعيناه تحدقان في عيني من اختاره وبيديه يأمر الآخرين بتخفيض أصواتهم، لكي يؤكد العار. وكان يقال إنه يكون بهذا القدر ذاته من الاستبداد والتسلط في نوادي الغناء الجماعي وفرق الكورال العديدة التي يشرف عليها. ومع ذلك فقد كان مفضلا عند مطربيه، وخصوصا السيدات منهن، اللاتي كن يحكن له مشغولات بالإبرة في أعياد الميلاد؛ جوارب وأوشحة وقفازات لتدفئه خلال تنقله من مدرسة إلى أخرى، ومن كورال إلى آخر.

بعد أن اشتد مرض السيدة فورجيلا بحيث لم تعد قادرة على إدارة أمور المنزل، تعهدت كويني بإدارته، وقد انتشلت من أحد الأدراج شيئا مشغولا بالإبرة وراحت تهزه يمينا ويسارا أمام وجهي. كان قد وصل إلى البيت دون اسم من أرسلته.

لم أدر طبيعة ذلك الشيء.

فقالت كويني: «إنه لتدفئة العضو الذكري في البرد، أخبرتني السيدة فورجيلا ألا أريه له، فسوف يجن غضبا لو رآه. ألا تعرفين حقا ما هذا؟»

قلت: «يا للقرف!» «إنها مجرد مزحة.» •••

كان على كويني والسيد فورجيلا أن يذهبا إلى العمل في الأمسيات. كان السيد فورجيلا يعزف على البيانو في مطعم ما وكان يرتدي بدلة توكسيدو. أما كويني فكانت تبيع التذاكر في إحدى دور العرض السينمائي. كانت دار السينما على بعد بضع بنايات فقط؛ لذا فقد سرت إلى هناك بصحبتها، وحين رأيتها تجلس في مقصورة بيع التذاكر، فهمت عندها أن مساحيق الوجه والشعر المصبوغ المصفف حول وجهها والأقراط المتدلية ليست بالأشياء المستغربة على كل حال. بدت كويني أشبه بالفتيات العابرات في الشارع أو اللاتي يدخلن إلى السينما لمشاهدة الفيلم مع رفاقهن الذكور. وقد بدت شبيهة للغاية بالفتيات المصورات في الملصقات الإعلانية المحيطة بها. بدا أنها مرتبطة بعالم الدراما، بالغراميات الملتهبة والمخاطر، التي يتم عرضها بالداخل على الشاشة.

وبتعبير أبي، بدا أنها لم تكن مضطرة لأن تسلم زمام أمورها لأي شخص.

قالت لي: «لم لا تأخذين جولة في الأنحاء لبعض الوقت؟» غير أن الحرج والخجل منعاني. لم أستطع أن أتخيل نفسي جالسة في مقهى أحتسي القهوة وأعلن للعالم أنني ليس لدي ما أفعله ولا مكان أذهب إليه، كما أني لم أتخيل نفسي أدخل أحد المتاجر لأجرب ثيابا لا أطمح إلى شرائها. صعدت التل من جديد، ولوحت بالتحية للسيدة اليونانية التي صاحت بشيء من نافذتها. فتحت بمفتاح كويني ودخلت الشقة.

جلست على السرير الضيق في الشرفة المغلقة بالزجاج. لم يكن هناك أي مكان يسمح لي فيه بتعليق الثياب التي أحضرتها معي، وفكرت أنها ربما لا تكون فكرة جيدة أن أخرج أشيائي من الحقائب على كل حال؛ فقد لا يروق للسيد فورجيلا أن يرى أي إشارة على إقامتي معهما.

فكرت في أن مظهر السيد فورجيلا قد تبدل، تماما كما تبدل مظهر كويني، ولكن ليس على النحو ذاته الذي تبدلت هي به؛ أي ما بدا لي عندها فتنة غريبة وثقيلة وافتقادا للبساطة والعفوية. كان لون شعره رماديا مائلا للحمرة، فصار الآن رماديا تماما، وتعبير وجهه - الذي طالما كان متأهبا للاشتعال بالغضب أمام أي احتمال لقلة الاحترام، أو أمام طريقة عزف ضعيفة، أو حتى لمجرد أن شيئا ما في منزله ليس في الموضع الذي يفترض أن يكون فيه - بدا الآن كتعبير أقرب إلى إحساس مقيم بالأسى والغبن، كما لو أنه يستشعر إساءة ما أو يرى أمام عينيه طوال الوقت سلوكا معيبا يحدث دون أن يلقى العقاب المناسب.

Unknown page