231

Al-Kāmil fī al-tārīkh

الكامل في التاريخ

Editor

عمر عبد السلام تدمري

Publisher

دار الكتاب العربي

Edition

الأولى

Publication Year

١٤١٧هـ / ١٩٩٧م

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

History
بَلَغَهُ خَرَابُ بِلَادِ الشَّامِ، وَأَنَّهَا لَمْ يَبْقَ مِنْهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَحَدٌ فَنَادَى فِي أَرْضِ بَابِلَ: مَنْ شَاءَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الشَّامِ فَلْيَرْجِعْ. وَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ آلِ دَاوُدَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَمِّرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَرَجَعُوا وَعَمَّرُوهُ.
وَكَانَ إِرْمِيَا بْنُ خِلْقِيَا مِنْ سِبْطِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ، فَلَمَّا وَطِئَ بُخْتُنَصَّرُ الشَّامَ وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَقَتَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسَبَاهُمْ، فَارَقَ الْبِلَادَ وَاخْتَلَطَ بِالْوَحْشِ، فَلَمَّا عَادَ بُخْتُنَصَّرُ إِلَى بَابِلَ أَقْبَلَ إِرْمِيَا عَلَى حِمَارٍ لَهُ مَعَهُ عَصِيرُ عِنَبٍ وَفِي يَدِهِ سَلَّةُ تِينٍ فَرَأَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَرَابًا، فَقَالَ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ﴾ [البقرة: ٢٥٩] ثُمَّ أَمَاتَ حِمَارَهُ، وَأَعْمَى عَنْهُ الْعُيُونَ، فَلَمَّا انْعَمَرَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ أَحْيَا اللَّهُ مِنْ إِرْمِيَا عَيْنَيْهِ، ثُمَّ أَحْيَا جَسَدَهُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ: ﴿كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [البقرة: ٢٥٩] . قِيلَ: ﴿بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩]- وَيَتَغَيَّرُ ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ [البقرة: ٢٥٩] فَنَظَرَ إِلَى عِظَامِ حِمَارِهِ وَهِيَ تَجْتَمِعُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ كُسِيَ لَحْمًا، ثُمَّ قَامَ حَيًّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَنَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهِيَ تُبْنَى، وَقَدْ كَثُرَ فِيهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ وَتَرَاجَعُوا إِلَيْهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَكَانَ عَهْدُهُمْ خَرَابًا، وَأَهْلُهَا مَا بَيْنَ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ، فَلَمَّا رَآهَا عَامِرَةً ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩] .
وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي أَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ أَحْيَاهُ كَانَ عُزَيْرًا، فَلَمَّا عَاشَ قَصَدَ مَنْزِلَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى وَهْمٍ مِنْهُ فَرَأَى عِنْدَهُ عَجُوزًا عَمْيَاءَ زَمِنَةً كَانَتْ جَارِيَةً لَهُ، وَلَهَا مِنَ الْعُمُرِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، فَقَالَ لَهَا: هَذَا مَنْزِلُ عُزَيْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَبَكَتْ وَقَالَتْ: مَا أَرَى أَحَدًا يَذْكُرُ عُزَيْرًا غَيْرَكَ! فَقَالَ: أَنَا عُزَيْرٌ. فَقَالَتْ: إِنَّ عُزَيْرًا كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، فَادْعُ اللَّهَ لِي بِالْعَافِيَةِ، فَدَعَا لَهَا فَعَادَ بَصَرُهَا وَقَامَتْ وَمَشَتْ، فَلَمَّا رَأَتْهُ عَرَفَتْهُ. وَكَانَ لِعُزَيْرٍ وَلَدٌ وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ مِائَةٌ وَثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَهُ أَوْلَادٌ شُيُوخٌ، فَذَهَبَتْ

1 / 235