Kam Cumr Ghadab
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
Genres
ولكن ناصريا معروفا هو «فريد عبد الكريم» يؤكد تماسك الناصرية وثبات مبادئها، وينفي الفكرة القائلة إنها تقوم على شخصية الزعيم، مع اعترافه بالدور الأساسي الذي تلعبه هذه الشخصية، أما «عبد الهادي ناصف»، وهو بدوره ناصري مخلص، ومن النماذج النقية لهذا الاتجاه، فقد كانت معاركه مع هيكل قديمة العهد، منذ أن نشر هيكل مقال «تحية للرجال» الذي تضمن مبالغة شديدة في تصوير صعوبة عبور قناة السويس، ورد عليه «ناصف» بهجوم مضاد عنيف على اتجاهات هيكل التي رأى فيها ابتعادا عن الناصرية، وما زالت المعركة بين الاثنين قائمة.
14
المهم في الأمر أن كثيرا من الناصريين المتمسكين بمبادئهم يتشككون في ناصرية هيكل؛ لأسباب عدة:
فهو قد هاجم أهم رموز الناصرية بمجرد موت عبد الناصر، بحيث يمكن أن ينظر إلى هجوم هيكل عليهم بوصفه هجوما على شيء في صميم الناصرية ذاتها. وهو قد أبدى تأييدا لا شك فيه للتحولات الساداتية في السياسة الداخلية والخارجية، خلال الفترة الحاسمة التي سبقت حرب 1973م، وهي التحولات التي سنرى فيما بعد أنها تنطوي - من وجهة نظر معينة - على بذرة الاستسلام لإسرائيل وفتح الأبواب لأمريكا، وتخريب الاقتصاد الوطني باسم الانفتاح، والأهم من ذلك أنه كان من الدعائم الكبرى لحكم السادات، في الفترة الحرجة الأولى، على الرغم من كل ما يعرفه عن الاختلاف الهائل بين السادات وعبد الناصر في الشخصية والفكر والاتجاه.
وهكذا يتبرأ كثير من الناصريين المتمسكين بعقيدتهم من هيكل، بل ويناصبونه العداء، وعندما يستعرض المرء تطور مواقف هيكل، منذ بدء ارتباطه بعبد الناصر حتى اعتقاله القصير الأمد في عهد السادات، لا يملك إلا أن يتساءل: هل كان أي أساس حقيقي لتلك العلاقة التي ارتبط فيها اسم هيكل بالناصرية، باستثناء ولائه لشخص عبد الناصر؛ ذلك الولاء الذي كان في الوقت ذاته المصدر الأول لشهرته ونفوذه؟ سؤال أترك الإجابة عنه للناصريين أنفسهم، أما عن نفسي فإنني كلما صادفت حالة من تلك الحالات التي تسيء فيها كتابات هيكل إلى عبد الناصر أبلغ الإساءة، دون قصد منه، فإني لا أملك إلا أن أدعو لعبد الناصر بأن يرحمه الله من أصدقائه، أما أعداؤه فقد كان هو ذاته كفيلا بهم!
الفصل الثامن
الجذور
ليغفر لي الأستاذ هيكل استعارتي عنوان هذه الحلقة من كتابه، وربما كان عذري أنه هو بدوره قد استعارها من كتاب «أليكس هيلي» المشهور ، وكان موفقا في استعارتها، لا لأن الحديث فيها كان يدور حول الأصول العائلية الأولى للسادات فحسب؛ بل لأن هذه الأصول العائلية كانت، في حالة السادات، مثلما كانت في حالة بطل أليكس هيلي، زنجية أفريقية، كما يحرص هيكل على أن يؤكد.
ولكن الحديث عن هذه الأصول العائلية، اقتصادية كانت أم اجتماعية أم لونية، ليس في رأيي هو «الجذور» الحقيقية لمأساة حكم السادات، بل إنني أود هنا أن أتحدث عن «جذور» من نوع آخر، أهم وأعمق بكثير، كانت تكمن فيها بذرة التطورات التالية لسياسة السادات، وأسلوب معالجته للقضايا القومية والوطنية والداخلية، هذه «الجذور» التي حددت، منذ سنوات حكمه الأولى، اتجاهاته التالية كلها، هي التي تستحق بالفعل أن تدرس بعمق.
يمثل عاما 1971 و1972م تحولا حاسما في السياسة المصرية. كان عبد الناصر قد توفي في العام السابق وترك أمورا كثيرة معلقة، تحتمل السير في أكثر من اتجاه، وعلى رأسها مبادرة روجرز، التي كان قد أعلن قبوله لها قبل وفاته بشهور قلائل، والاستعداد العسكري لمعركة العبور، الذي كان قد بلغ في ذلك الحين درجة عالية من الإتقان، وعندما تولى السادات الحكم في أكتوبر 1970م، كان من الطبيعي أن تظل النغمة السائدة، لفترة ما، هي السير على طريق عبد الناصر، فلم يكن من الممكن أن يسير الإعلام والدعاية للرئيس الجديد في أي طريق مخالف؛ لأن الإعلان عن استمرار النهج السابق هو أفضل ما يمكن عمله في مثل هذه الظروف التي يختفي فيها رئيس قوي ذو شهرة واسعة وماض طويل، ويحل محله خلف لا يزال، إلى حد بعيد، مجهولا، ولا يزال الناس يشعرون بأن كرسي الحكم كبير عليه.
Unknown page