تأليف
يوسف إدريس
المقدمة
بقلم طه حسين
هذا الكتاب ممتع، أقدمه للقراء سعيدا بتقديمه أعظم السعادة وأقواها؛ لأن كاتبه من هؤلاء الشباب الذين تعقد بهم الآمال وتناط بهم الأماني ليضيفوا إلى رقي مصر رقيا، وإلى ازدهار الحياة العقلية فيها ازدهارا.
وكان كل شيء في حياة هذا الشاب الأديب جديرا أن يشغله عن هذا الجهد الأدبي وأمثاله بأشياء أخرى، ليست أقل من الأدب نفعا للناس وإمتاعا للقلب والعقل.
فهو قد تهيأ في أول شبابه لدراسة الطب، ثم جد في درسه وتحصيله حتى تخرج وأصبح طبيبا، ولكن للأدب استئثارا ببعض النفوس وسلطانا على بعض القلوب لا يستطيع مقاومته والامتناع عليه إلا الأقلون.
وقد كلف هذا الشاب بالقراءة، ثم أحس الرغبة في الكتابة، فجرب نفسه فيها ألوانا من التجربة، ثم لم يملك أن يمضي في تجاربه تلك، وإذا هو أمام كتاب يريد أن يخرج للناس فيخرجه على استحياء، ويقرأ الناس كتابه الأول «أرخص الليالي» فيرضون عنه ويستمتعون به، ويقرؤه الناقدون للآثار الأدبية فيعجبون له ويعجبون به ويشجعون صاحبه على المضي في الإنتاج، فيمضي فيه ويظهر هذا الكتاب.
وأقرؤه فأجد فيه من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء مثل ما وجدت في كتابه الأول، على تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صادق صارم لما يحدث فيها من جلائل الأحداث وعظائمها لا يظهر في ذلك تردد ولا تكلف، وإنما هو إرسال الطبع على سجيته كأن الكاتب قد خلق ليكون قاصا، أو كأنه قد جرب القصص حتى استقصى خصائصه ونفذ إلى أسراره وعرف كيف يحاوله فيبرع فيه. وكنا نعجب فيما مضى بطائفة من الكتاب المجودين في الغرب لم يتهيئوا للأدب عن عمد ولم يجعلوه لحياتهم غاية، وإنما أنفقوا جهدهم كله في درس الطب والتخصص فيه، وفرض الأدب نفسه عليهم فرضا، فبرزوا فيه أي تبريز، ثم رأينا هذه الظاهرة نفسها تمس بعض أطبائنا فينشأ منهم شاعر بارع كالدكتور إبراهيم ناجي رحمه الله، وينشأ منهم الكاتب المتفوق الذي يتاح له من صفاء الذوق ونفاذ البصيرة وسعة العلم والفقه بأسرار الحياة، فيخرج في اللغة العربية كتبا أقل ما توصف به أنها تجمع بين الروعة والمتعة، وتغني حاجتنا إلى القراءة التي تلذ القلب والذوق والعقل جميعا كالدكتور محمد كامل حسين.
وكاتبنا هذا يمضي في هذه الطريق ثابت الخطو، وما أشك في أنه سيبلغ من الأصالة والرصانة والتفوق ما بلغ الذين سبقوه.
Unknown page