لا سمح الله أن تفعل ذلك، ولكن قبل كل شيء اثبت على ما قلته، وإذا كنت تروم أن تغير فكرك فغيره صراحة ولا تغشنا؛ لأنك يا ثراسيماخس (دعنا لا نحيد عن بحثنا) لما حددت الطبيب الحقيقي، لم تر أن من الضرورة قياس الراعي الحقيقي عليه في خدمة قطيعه، بل بالعكس ترى أنه كراع يرعى قطيعه غير ناظر إلى ما هو لخير النعاج، بل كالنذير المزمع أن يؤدب مأدبة يأكله بها رغبة في نيل الثناء والمديح، أو كتاجر يربح من بيعه. على أن فن الرعاية ليس له غرض آخر إلا ما وضع لأجله؛ أي ليوافي المواشي بالعلف على قدر ما يتطلبه كمالها، وذلك على ما أرى كل ما يشتمل عليه لقبه الخاص، وعلى نفس القياس يخيل إلي أن الضرورة تحتم علينا أن نسلم أن كل حكومة لا تطلب كحكومة إلا ما هو لخير المحكومين، الذين أنيط بهم أمرهم، خصوصية كانت تلك الحكومة أو عمومية. أوتظن أن السياسيين وحكام الدول، الذين هم حكام بمعنى الكلمة، يحكمون باختيارهم؟
ث :
لا أظن ذلك ظنا، بل أتيقنه يقينا.
س :
ألا تلاحظ يا ثراسيماخس أنه في الحكومات الراقية لا أحد يتقلد منصب حاكم إذا أمكنه التنصل منه؟ وأن كلا منهم يطلب المكافأة على الحكم؟ لأن فائدته لا تعود على الحكام بل على المحكومين. أولم نقل أن كل فن يمتاز على غيره من الفنون بمزية خاصة؟ فتفضل أجبني يا سيدي العزيز عن هذه المسألة، ولا تجب ضد اقتناعك، وإلا فلا يمكننا أن نحرز شيئا من الفوز في هذا البحث.
ث :
نعم، إن ذلك ما يميز كل فن.
س :
أولا يسدينا كل فن فائدة ممتازة؟ فيهبنا فن الطب الصحة، وفن الملاحة السلامة في الأسفار البحرية، وهكذا بقية الفنون؟
ث :
Unknown page