hubris (وكان البروفسور كيتريدج
Kittredge
من أوائل من فطنوا إليه في مقدمته لطبعته للمسرحية) - يكفي للإيحاء باحتمال صواب بروتس، ولا أقوال صواب المتآمرين جميعا على اختلاف دوافعهم. وهذا هو ما توضحه مشاهد القتال حيث يبين شيكسبير أن هزيمة المتآمرين هي نتيجة أخطاء عسكرية؛ أي أخطاء في إدارة الحرب وحسب، ولو كانوا قوادا مهرة لتغير وجه المسرحية أو وجه التاريخ!
ولذلك أيضا يلجأ شيكسبير إلى استخدام «الجمهور»؛ أي العامة الذين يملئون المسرح في المشاهد الحاسمة - استخداما دراميا - فهل نحن مع العامة دائما أم نحن نتأملهم أيضا من واقع سلوكهم ونحكم عليهم من مسافة كافية؟ إن الجمهور يظهر أول الأمر باعتباره مجموعة من الأفراد، كل منهم كما يقول «ألوواي» في مقدمة طبعة ماكميلان (ص7) له شخصيته المستقلة، ولكنهم أيضا جمهور بمعنى أنهم يميلون إلى عبادة البطل (وربما شاركوا في خلق صورة البطل) وهم يتأثرون بالكلام؛ أي بالبلاغة والألفاظ الطنانة. وبعد ذلك نجدهم هنا وهناك حتى يأتي ذلك المشهد الغريب الذي يقتلون فيه «سنا» الشاعر حتى بعد أن أكد لهم أنه ليس «سنا» المتآمر! إنهم يمثلون روح «الخراب» أو «إله الخراب» الذي يستدعيه أنطونيو ليثأر لمقتل صديقه وخله الوفي! لقد استطاع بروتس أن يقنع الجمهور حتى صاح الناس «فلتجعلوه قيصرا عليكم»، مثلما كانوا يريدون أن يتوجوا قيصر ملكا! والآن ينقسم هذا الجمهور انقساما حاسما بين أتباع المتآمرين وأتباع أنطونيو وأوكتافيوس، ولا يحسم الصراع إلا سبب عسكري (خارجي)!
كما ينجح شيكسبير في الإبقاء على طبيعة الإشكال في المسرحية حين يصور لنا الصراعات الناشئة بين بروتس وكاشياس، وبين أنطونيو وأوكتافيوس؛ فهو لا يحسم الأمر بنهاية عادلة مشرقة كما يفعل في ماكبث مثلا، حيث يعود الحق لأصحابه وتعمر نفوسنا بالأمل في عهد جديد لحكم عادل نزيه في اسكتلنده.
إن كثرة علامات الاستفهام المطروحة حول المسائل النفسية والفلسفية والأخلاقية التي تستند إليها المسرحية تنفي عنها صفة التراجيديا الكلاسيكية، وتدخلها في دائرة المسرحية المشكل، سواء كانت المسرحية المشكل حديثة من النوع البيرانديللي أو الإبسني (مثل البطة البرية) أو من النوع الشيكسبيري نفسه مثل مسرحية صاعا بصاع!
وأخيرا فينبغي أن أذكر القارئ بما سبق أن قلته في بداية المقدمة عن الدور الذي تلعبه اللغة أو البلاغة في هذا النص الفريد؛ فنحن دائما في مواجهة لغة يحكم أصحابها استخدامها، وهي لغة غير عادية؛ إذ تتفاوت في الارتفاع والانخفاض لكي تأخذنا ذات اليمين وذات الشمال دون أن نعرف بالتحديد ما يدف بين ثناياها من مشاعر إنسانية ومن دوافع تقرب إلينا شخوص المسرحية على مستوى البشرية الصادقة، فشيكسبير يستخدم اللغة كبناء مواز لحركة الفكر، ودراسة هذه اللغة مهمة، ومن شأنها أن تقدم لنا مزيدا من المفاتيح لفهم هذه المسرحية المشكل، ويسعدني أن اختارت إحدى بناتنا في قسم اللغة الإنجليزية - وهي علا محمد حافظ المدرس المساعد بالقسم - تحليل لغة هذه المسرحية بالذات موضوعا لرسالة الدكتوراه.
وأخيرا، أرجو أن أكون قد قدمت للقارئ العربي هذا النص الصعب الفهم في صورة يسيرة تعينه على قراءته وتذوقه، سواء قبل النظرة النقدية الحديثة التي عرضتها أم فضل النظرات النقدية القديمة.
والله ولي التوفيق.
محمد عناني
Unknown page