humour .
وكلها مما يفسر عنده بالقصد في القوى النفسية، ولكن النكتة قصد في العاطفة التي يكلفنا كبتها الكثير من مجهود النفس، والهزل قصد في الفكر والمنطق، وأما الدعابة فهي قصد في الإحساس، وإننا نتطلب هذه الأفانين جميعا بعد سن الطفولة التي لا تعرف المفارقات المضحكة ولا تقدر على تفكير النكتة ولا تحتاج إلى الدعابة لتشعر بالسعادة.
وإلى هنا يبدو لنا أن الأمثلة التي استشهد بها رائد المدرسة النفسية الحديثة لا ينطبق عليها تفسيره في جميع الأحوال، وأن القصد في الشعور أو التفكير قد يتحقق بالنكتة أحيانا ولكنه لا ينشئها ولا هي متوقفة عليه.
ولنرجع إلى نادرته عن اليهودي الذي قابل زميله في القطار وسأله عن وجهته فصرح له بذهابه إلى كراكاو وعتب عليه زميله لهذا الكذب ؛ لأنه كان سيذهب فعلا إلى كراكاو ولم تجر العادة بذكر الوجهة الحقيقية في إجابة أمثال هذا السؤال.
فلا قصد في هذه النادرة ولا ادخار، وليس فيها موضع لزيادة في المقال أو الاتهام، ولكنها تضحك السامع؛ لأنها تفاجئه بغرابة اللوم لهذه المناسبة، فإن السامع يسمع اللوم على الكذب فلا يخطر بباله أن الكذب في عرف المتحدثين هو الجهر بالصدق الصراح، ثم يفاجأ بسبب اللوم فتكون المفاجأة عماد الفكاهة هنا كما كانت عماد الفكاهة في جميع النوادر التي استشهد بها فرويد من المغالطات أو التحريفات أو الأجوبة المسكتة، وليس في الجواب المسكت قصد في الشعور أو القول، ولكنه مثل واضح للمفاجأة على الخصوص حين يكون السائل على ثقة من إحراج المسئول فلا يلبث أن يأتيه الجواب السريع فيرتد الحرج إليه.
ويجوز لنا بعد هذه التعليقات الموجزة أن نفهم أن رأي برجسون ورأي فرويد لا يناقضان تفسير الضحك من الوجهة الجسدية كما أجمله داروين في كتاب «التعبيرات»، وفصله سبنسر في مقاله عن الضحك من الوجهة الفزيولوجية، وأنهما لا يغنيان عن ذلك التفسير في النهاية، سواء كان سبب الضحك فكرة أو مشاهدة حسية؛ لأن نتيجته هي أن يتأثر الجسد به على النحو الذي ذهب إليه سبنسر وداروين من قبل.
مفاجأة تحبس الفكر أو الشعور عن مجراه فيتحول عنه إلى العضلات، ويبدأ الأثر في أسهل هذه العضلات حركة، ثم يسري إلى غيرها من عضلات الجسم كله إذا اشتد الباعث على الضحك.
ولا تناقض بين هذا وبين قول برجسون: إننا نضحك من الإنسان إذا تصرف في حركاته وأقواله تصرف الآلة الصماء. فإن هذا التصرف يفاجئنا بشيء لم ننتظره من إنسان عاقل تجري أعماله على حكم المنطق الفطري الذي طبع عليه الإنسان المسمى بالحيوان الناطق أو الحيوان المنطقي بعبارة أخرى، فنحن ننتظر عملا منطقيا فنرى أمامنا عملا آليا على غير انتظار أو على خلاف المنتظر، وهذه هي المفاجأة التي ترجع بنا إلى تفسير داروين وسبنسر، وقد ضحك الإنسان من النقائض المفاجئة قبل شيوع الآلات وخلق له جهاز الضحك قبل احتقاره التشبه بالآلة.
وقول برجسون: «إن الضحك تنبيه اجتماعي لمن يذهلون عن آداب البيئة.» لا ينقض هذا السبب؛ لأنه فائدة من فوائد الضحك لا تفسر أسبابه ولكنها تدل على غاية من غاياته، والفرق ظاهر بين الأسباب والغايات.
ويرجع بنا رأي فرويد إلى المفاجأة كما يرجع بنا رأي برجسون إليها، فإن استخدام الضحك أحيانا في «الاقتصاد الشعوري» هو أيضا من قبيل الفوائد التي نستفيدها منه، وليست الفوائد كما تقدم مبطلة للأسباب.
Unknown page