Jinusayid
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
Genres
خارت قواه وأغشي عليه، ولم يدر ما حصل له بعدها. •••
عندما فتح عينيه كانت أشعة الشمس قد تسللت من نافذة الغرفة العلوية، خطوط مستقيمة تتراقص فيها ذرات الغبار، وكل ذرة تخرج عن المسار تختفي وكأن طرفي الحزمة هي مقيدات الحياة، حرك ناظريه وقال لنفسه: هذه ليست غرفة التعذيب، إنها الغرفة التي وضعونا فيها البارحة.
حاول الجلوس فلم يستطع، فمجرد الحركة كانت تؤلمه جدا، تساءل بينه وبين نفسه: أين اللذان كانا معي؟!
لا أسمع صراخ تعذيب، إذن ليسا هناك، أين هما إذن؟
خطرت في ذهنه أسئلة كثيرة، لكنه كان مشوشا، فلم يستطع فك أحجية اختفائهما فجأة .
اقترب ذف أقدام أحدهم من الباب، وسمعه يقول: «افتح الباب.» جر المزلاج الحديدي ثم دفع الباب، دب الخوف في قلب أرتين من جديد تذكر الليلة الماضية، القيود الحديدية، السوط الأسود، وجه الجلاد المخيف وعضلاته الضخمة، كانت أسوأ ليلة مرت في حياته. اقترب من رجل ضخم الجثة عريض المنكبين، صدم أرتين للوهلة الأولى حتى إنه جلس ولم يشعر بالألم من شدة الصدمة، قال في نفسه: «إنه نفس الرجل الذي أمرني بالمهمة في تلك الليلة!» لم يتمالك نفسه فصرخ بوجهه: أيها الخائن اللعين، وبصق بوجهه.
مسح البصقة من وجهه بكم ردائه وابتسم، ثم ربت على كتف أرتين وقال: لقد نجحت في المهمة. - عن أي مهمة تتحدث؟ أنت عميل للحكومة أيها الخائن! - نحن لسنا عثمانيين، نحن الطاشناق، ومهمتك لم تكن تهريب الأسلحة، بل أردنا التأكد منك، خشينا أنك من رجال الوالي من الأرمن الخونة. - وما الذي حصل باللذين كانا معي؟ وكيف كنتم تعذبون قائد المهمة؟
ابتسم وربت على كتف أرتين. - لم نعذبه كانت تمثيلية لتخويفك ودب الرعب في قلبك. - لكن لم كل هذه التمثيلية؟ هل تفعلون هذا لكل من ينضم إليكم؟! - لا، بالطبع لا نفعله مع الجميع، لكنك في أخطر فصيل بالحزب وعموده الذي يستقوي به بقية الفصائل، نحن «فصيل الاغتيالات»، لا ينضم إلينا أحد مباشرة إلا بعد أن نتأكد منه مائة في المائة، وبعد أن يقاتل مع الفصائل الأخرى ويحصل على إشادة قادته في الشجاعة والفطنة والبسالة، حينها نضمه إلينا، أما أنت فقد كشفت مكاننا وعرفت بعض الوجوه التي يجب ألا تعرفها، كان بإمكاني إرسالك إلى فصيل آخر، عملهم فقط في قتال العصابات أو نصب الكمائن على دوريات الدرك، لكنني أعجبت بالحركة التي فعلتها يوم عملية اغتيال الوالي، نحن بحاجة إلى رجال من أمثالك لا يهابون الموت، ومع ذلك كان لا بد من اختبارك، وها قد نجحت فيه واجتزته كما توقعت ذلك، والآن يمكنك أن تكون ضمن فصيلنا، فأهلا بك بيننا .
دهش أرتين للوهلة الأولى من دهائه وتفكيره العسكري، على الرغم من كل آلام صدره وقدميه إلا أن الفرحة كانت تغمره بوصوله إلى أخطر فصيل في الحزب بهذه السرعة، والفرحة الكبرى كانت أنه سيعمل مع أناس يحملون هذا العقل والتدبير. - أرتين ستبقى هنا عدة أيام إلى أن تتعافى ثم تعود إلى «وان»، وبعدها سأرسل اسمك إلى القيادة العليا وأوضح لهم كل الذي جرى في اليومين الماضيين ببرقية، وانتظر الموافقة الرسمية لانضمامك إلينا. - وماذا عن صديقي؟ ألا يمكنك أن تضمهما معي ونعمل كفريق معا تحت إمرتكم؟ - لا، لا يمكنهما الانضمام لفصيل الاغتيالات مباشرة، يجب أن يعملا في فصائل أخرى ويحصلا على إشادة قادتهما، حينها أستطيع إقناع القيادة بضمهما إلينا، لكن في النهاية سنرسلكم إلى يريفان سويا للتدريب، أما الآن فعلي الذهاب؛ فلدي مهام كثيرة يجب أن أقضيها، وأنت انتظر مني الخبر اليقين في وان. •••
قبل حلول الظلام سمع أرتين صوت غريغور قادما من ممر غرف الخان العلوي، فاختبأ خلف الباب بسرعة، دخلا الغرفة وهما يضحكان على ما يبدو لموقف حصل لهما أثناء العمل، وعندما أراد غريغور غلق الباب رأى أرتين أمامه، لم يصدق عينيه فحضنه بقوة مما جعل أرتين يصرخ من شدة الألم فانسحب غريغور متفاجئا. - ما بك يا صديقي؟ ما الذي حصل؟!
Unknown page