فصمت ولم يبد جوابا، وكأنه كان يريد التكلم ويمنعه التردد، فعادت هي تقول: «لعلك لا تخاف علي إذا حاولت الصعود وربما تزل قدمي فلا أصل الأرض إلا جثة بلا روح؟»
فلما سمع ذلك منها اقشعر بدنه، وهاجت عاطفة الحب في قلبه، وتذكر ما كان بينهما من الإخلاص وغلبت عليه عواطفه فقال: «نعم أخاف عليك خوفا شديدا، لا من الصعود إلى قمة الهرم فقط، بل أخاف عليك حتى من هذا النسيم اللطيف، ومن عيون البشر فإنها أحد من السهام على قلبي!»
فعجبت لعبارته الأخيرة إذ لم تر لها محلا، ولاح لها أنها تخفي وراءها شيئا يكنه في ضميره ويود إخفاءه عليها، فبهتت وأخذت تفكر في ذلك ثم قالت متجاهلة: «إذا كنت تخاف علي إلى هذا الحد فكيف لا تشعر بأني أخاف عليك أيضا؟»
فازدادت في قلبه عوامل الغيرة والحنق، وضاق صدره بما يكتمه، فأخذ ينكت الأرض بعصاه متشاغلا ويداه ترتعشان، ووجهه يزداد انقباضا.
فابتدرته قائلة: «ما لك لا تجيب عن سؤالي كأني لا أستحق جوابا؟» قالت ذلك وهي ترنو إليه بعينيها كأنها تقول له: ما الذي تكتمه؟ ولماذا الكتمان؟
فنظر إليها شزرا وأراد التكلم فشرق بدموعه، فحول وجهه إلى السهل الرملي المحيط بالهرم إخفاء لما به.
وقالت سلمى لسليم: «ألا تخاف الصعود إلى قمة هذا الهرم؟»
فلحظت منه ذلك وتساقطت العبرات على خديها وقد امتقع لون وجهها، ثم مسحت دموعها بمنديلها من حيث لا يراها، ولكنه التفت إليها بغتة وقد هم بأن يبوح لها بما في قلبه، فلما رأى الدموع تترقرق في عينيها، أمسك. وبقي الاثنان لا يتكلمان كأنهما أصيبا بجمود وكل منهما يفكر في أمر يحاذر أن يطلع الآخر عليه وقد نسيا ما حولهما.
وفيما هما في ذلك إذا بمناد ينادي سلمى، فبغتا والتفتا إلى مصدر الصوت فإذا بأدما تنادي سلمى قائلة: «تعالي يا عزيزتي سلمى واسمعي ما يقوله حبيب أفندي!»
فمسحت سلمى دموعها دون أن يشعر بها أحد، والتفتت إلى صديقتها متظاهرة بخلو الذهن وقالت: «ماذا يقول يا عزيزتي؟»
Unknown page