Jawhar Shaffaf
الجوهر الشفاف الملتقط من مغاصات الكشاف
Genres
ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير(265)أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون(266) {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مراضات الله} أي: طلبه منهم لرضوان الله عليهم {وتثبيتا من أنفسهم} أي: ليثبتوا أنفسهم على الإيمان والعبادات الشاقة، ببذل المال الذي هو شقيق الروح وبذله أشق شئ على الناس، لأن النفس إذا رضيت بالتحامل عليها وتكليفها ما يصعب عليها ذلت خاضعة لصاحبها وقال طمعها في اتباعه لشهواتها وبالعكس لو لم يرضاها لم تنقد لإقامة سائر الطاعات فكان إنفاق المال تثبيتا لها على الإيمان واليقين، ويجوز أن يراد تصديقا للإسلام وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم، لأنه إذا أنفق المسلم ماله في سبيل الله علم أن تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه، وإخلاف قلبه، ومعنى: من التبعيضية أن من بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه معا فهو الذي ثبتها كلها، والمعنى: ومثل نفقة هؤلاء في زكائها عند الله {كمثل جنة} وهي البستان {بربوة} بمكان مرتفع، وخصها لأن الشجر فيها أزكى وأحسن قسرا {أصابها وابل} مطر عظيم القطر {فأتت أكلها} ثمرتها {ضعفين} أي: مثلما كانت تثمر بسبب الوابل، {فإن لم يصبها وابل فطل} أي: فمطر صغير القطر يكفيها الكرم بنبتها أو مثل حالهم عند الله بالجنة على الربوة ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل أو الطل، وكما أن كل واحد من المطرين بضعف أكل الجنة، فذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة، بعد أن يطلب لها وجه الله ويبذل فيها الوسع، زاكية عند الله زائدة في حسن حالهم عنده {والله بما تعملون بصير} خبير بأعمالكم فهو يضاعف نفقاتكم الكثيرة والقليلة إذا طلب بها وجهه ومرضاته لا غير، {أيود أحدكم} أي: يتمنى وهذا إنكار لتمنيهم {أن تكون له جنة من نخيل وأعناب} أي: بستان فيه هذه الفواكه، {تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات} يريد بالثمرات المنافع أن يحصل له فيها وقال جنة من نخيل وأعناب أكرم الشجر وأكثرها منافع فخصها بالذكر وجعل الجنة بينها وإن كانت محبوبة على سائر الأشجار تغليبا لها على غيرهما، ثم أردفها ذكر الثمرات {وأصابه الكبر} الواو للحال ومعناه: أن يكون له جنة وقد أصابه الكبر وهو الشيب والضعف فعجز عن الكسب {وله ذرية ضعفاء} أي: أطفال صغار، لا ينفعونه{فأصابها} يعني الجنة وما فيها {إعصار فيه نار} الإعصار الرياح التي تستدير في الأرض، ثم تسطع نحو السماء كالعمود، وهذا مثل من لم يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغي بها وجه الله فإذا كان يوم القيامة وجدها محبطة فيتحسر عند ذلك حسرة من كانت له جنة من أبهى الجنان وأجمعها للمار فبلغ الكبر وله ذرية ضعاف والجنة معاشهم ومنعشهم {فاحترقت} فهلكت بالصاعقة واحترقت وهو أحوج ما كان إليها عند كبر السن وضعف الحيلة وكثر العيال، فبقى هو وأولاده عجزة متحيرين لا يقدرون على شئ.
وعن عمر رضي الله عنه: أنه سأل عن هذه الآية الصحابة فقالوا: الله أعلم فغضب وقال قولوا نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس: في نفسي منها شئ يا أمير المؤمنين قال قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك، قال: ضرب مثلا لعمل قال لأي عمل. قال: لرجل غني يعمل الحسنات ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كلها.
وعن الحسن هذا مثل قل والله ما يعقله من الناس شيخ كبير ضعف جسمه وكثر صبيانه أفقر ما كان إلى جنته وإن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا {كذلك} أي: مثل ذلك البيان {يبين الله لكم الآيات} الدالة على مصالحكم {لعلكم تتفكرون} أي: أراد أن يتفكروا ويتعلموا بمقتضى الفكرة في إخلاص الأعمال لوجهه وحفظها من فسادها، وصيانتها من إبطالها.
Page 238