Jawaiz Adab Calamiyya
جوائز الأدب العالمية: مثل من جائزة نوبل
Genres
وقد وقع اختيار الفلاسفة والمؤرخين للجائزة الأدبية موقع الاستغراب بين نقاد الأدب، وأولهم المعجبون بموضوعات الفلسفة والتاريخ؛ لأنهم حسبوه خروجا عن الموضوع، ولم يحسبوه تكريما في غير موضعه، من الوجهتين الفلسفية والتاريخية، وكان من دواعي هذا الاستغراب أن اللجنة أهملت في كل سنة من تلك السنين أعلاما نابهين في صميم الكتابة الأدبية، فلم تكن مضطرة إلى تجاوز العالم الأدبي لاختيار المرشحين من عالم الفلسفة والتاريخ.
لكن اختيار «الأشخاص» قد لقى في بعض السنين ما لم يلقه اختيار الموضوعات، أو الخروج بالجائزة من موضوعها في سنوات معدودات، على رأي النقاد.
فلما أعلن اسم شرشل في سنة ثلاث وخمسين (1953) سبق إلى الأذهان أنها جائزة السلام، فاستغرب الناس أن توجه هذه الجائزة إلى رجل كان في طليعة قواد الحرب وساستها، وكان من أكبر الدعاة إلى التسليح والاستعداد للحرب، دفاعا أو هجوما، قبل الحرب العالمية الثانية، وهو صاحب الأمثولة المعروفة عن السباع التي اجتمعت للاتفاق على أنواع السلاح التي يمتنع استخدامها، فاقترح الأسد أن يحرم كل سلاح غير الأنياب والأظفار، واقترح العقاب تحريم كل سلاح غير المخالب، ومضى كل سبع يحرم كل سلاح غير سلاحه، إلى أن ضمهم الدب في عناق مطبق وبيل ... وفي الأمثولة ما فيها من السخرية بمؤثرات السلام والدعوة إلى نزع السلاح.
فلما أعلن أن الجائزة للأدب لا للسلام، وشاعت أسباب الاختيار من الناحية الأدبية، لم يتغير شعور الاستغراب مع اتفاق الآراء على تقدير المزايا الفنية في كتابة السياسي الكبير؛ لأن هذه المزايا جميعا كانت معروفة مقدورة قبل الحرب العالمية، وكانت تراجمه وفصوله وخطبه كلها شائعة متداولة قبل سنة الجائزة بأكثر من عشر سنين.
ولما أعلن اسم الطبيب «شويتزر» قبل ذلك بسنة، سبق إلى الأذهان أنها جائزة الأدب ليست بجائزة السلام، فلما عرف الناس أن الطبيب الفيلسوف كوفئ على خدمة السلام لما يتولاه من أعمال التطبيب والتبشير في القارة الأفريقية، عاد الناس إلى ذكر الفلاسفة الذين استحقوا جائزة السلام بما كتبوه وما عملوه، ومنهم برتراند رسل مواطن شرشل ونظيره في المنزلة الاجتماعية.
وهذه أمثلة بينة للغرائب التي تثيرها مسألة الموضوعات كلما اقترنت ببعض الأسماء؛ لأنها تلقي في الأذهان أن المناسبة مقترنة بالشخصية المختارة، أشد من اقترانها بالموضوع أو بموعد الاختيار.
وقد تقدم أن مسألة الموضوع محل نظر جديد في السنتين الأخيرتين، وأن المشرفين على توزيع الجوائز الأدبية يخشون أن تنقضي وظيفة الجائزة، وأن تذهب الفائدة المرجوة منها إذا بقيت موضوعاتها مطلقة عامة بغير تمييز؛ لأن قيمة الجائزة المالية لا تساوي بعض ما يكسبه كاتب القصة الرائجة من نشرها وتمثيلها وإذاعتها وعرضها على اللوحة البيضاء، وتصويرها للتلفزيون.
فليس في قيمة الجائزة المالية من الإغراء ما يصرف طالب الكسب عن الكتابة المربحة في موضوعات القصة والمسرحية، وسائر الموضوعات التي تروج هذا الرواج.
وقد تقضي هذه الظروف على اللجنة أن تعود إلى نموذج نوبل المختار، وهو نموذج الشاعر المثالي الذي يؤثر جمال البلاغة، وعلو العاطفة الإنسانية على بضاعة السوق.
فلعل هذا الموضوع - موضوع الشعر الإنساني البليغ - هو النموذج الوحيد الذي يرتفع فيه الأديب إلى القمة، ثم يقصر جزاؤه منه عن مقدار الجائزة بحساب المال.
Unknown page