232

Jawahir Thamina

الجواهر الثمينة في محاسن المدينة

Genres

يسلب عنهم اسم الجار (1) وقد عم عليه الصلاة والسلام بقوله : «ما زال جبريل يوصيني بالجار» ولم يخص (2) جار دون جار وكل ما احتج به محتج من رمى بعض عوامهم بالابتداع وترك الاتباع فإنه إذا ثبت ذلك في شخص منهم لا يترك إكرامه ، ولا ينتقص احترامه ، فإنه لا يخرج عن حكم الجار ولو جار ، ولا يزول عنه شرف مساكنته في الدار كيف ما دار (3)، بل يرجى أن يختم له بالحسنى ، ويمنح بهذا القرب الصوري فرب المعنى.

فيا ساكني أكناف طيبة كلكم

إلى القلب من أجل الحبيب حبيب

قلت : وأنت ترى أن الملل والنحل على اختلافها ، وتباين ائتلافها ، لا يخلوا منها قطر من الأقطار ولا مصر من الأمصار ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ، ولذلك خلقهم ، فمن فهم علة (4) الخلق تنزه في رياض الأفكار من وهم في سنة الحق وقع في مشاغب الانكار ، ولأهل المظاهر مجال في حكم الظاهر ، والله أعلم بالسرائر.

ومن محاسن المدينة أن حديث أهلها وذكر شمائلهم المعطرة.

مما يرقص رؤس الحكماء طربا

ويحرك نفوس العلماء عجبا

قال العلامة ابن حجر : ينبغي أن ينظر إلى أهل المدينة بعين التعظيم ، ورعاية التكريم ولا يبحث عن بواطنهم ولا عن طواههم لقوله تعالى : ( ولا تجسسوا ) ويكل سرائرهم إلى الله تعالى ، لأن الذنوب ما عدا الشرك تحت مشيئته يعذب من يشاء ويرحم من يشاء ، ولا يطلع أحد على تعلق إرادته عز وجل فيحهم بجواره كيف ما كانوا أي على ارتكاب الذنوب الصغائر والكبائر ، فإن عظم الإساءة ولو في الدار لا يسلب حرمة الجوار.

وأحبها وأحب منزلها الذي

نزلت به وأحب أهل المنزلي

وقال في الجوهر المنظم ، وصرف ما يتصدق به إلى أهل المدينة أولى على أي حالة كانوا وذلك لأن شرف الجوار الثابت لهم أوجب الأعراض عن مساوئهم ، والنظر إلى حرمتهم وما تشرفوا به من ذلك الجوار الأعظم ، ولذلك كثر في الأحاديث الصحيحة الدعاء منه صلى الله عليه وسلم لهم بالبركة ، وعلى من قصدهم بسوء بأقبح النكال ، ثم قال

Page 245