مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

ورحمة ربك خير مما يجمعون

... الحمد لله الذي حبب إلينا المدينة، وجعلها من أفضل البقاع الأمينة، فنحن في جوار هذا النبي الأمين في حصن جمع بين شرفي المكان والمكين.

... أحمده على أن خصنا بملازمة بابه، والوقوف على أعتابه، حمد من علم أن الكل من عنده، وإن من شيء إلا يسبح بحمده.

Page 4

وإني إذا لم أجتمع بجنابه ... ... أمر على أبوابه فأسلم ... وأشكره على نعمة الجوار، وجار الدار أحق بدار الجار.

والجار محسوب على جيرانه ... جار الكريم مسامح من ذنبه

... وأشهد أن سيدنا وسندنا محمد عبده، ورسوله، وحبيبه، وخليله، المبعوث بأشرف الأديان، وأكمل الملل، النبي المرسل الكريم المفضل، المنادى في الأزل:

... (( يا محمد قد اصطفيناك في الكتاب الأول، فما أعظم قدرك عندنا، وأفضل )).

... آدم فمن دونه تحت لوائك يوم الأرض تبدل، لك الشفاعة، واللواء والحوض، وكل من الأنبياء يستغيث لنفسه ويسأل، فما أسعد من توسل به، ونادى الشفاعة، يا من عليه في الشفاعة المعول، الشفاعة يا من يستغيث به المكروب إذا ضاقت به الحيل، الشفاعة يا من قال له جبريل عليه السلام: ها أنت وربك، فدنا، وتدلل.

... والصلاة والسلام على من أبرز من خدر الغيب شموس معاني عباراته الزاخرة، وأطلع من أفق المثاني أقمار لطائف إشارته الفاخرة.

اللهم إنا نستوهبك صيب صلواتك، وطيب تسليماتك لهذا السيد الذي زينت سماء معجزاته بكواكب خطابك الثاقب، ونشرت مناشير بيناته في آفاق المشارق والمغارب، ولمؤازريه الذين نثروا شمل أعدائه، ونظموا قواعده.

... صلاة تكون لنا صلة، وبأجمل العوايد عايدة، اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

سبب تأليف الكتاب:

... أما بعد: فلما كانت المدينة الشريفة مسقط رأسي، ورياضها الوريفة منبت غراسي.

بلاد بها نيطت علي تمائمي ... ... وأول أرض مس جلدي ترابها

فلا برحت تزهو على الأفق بابها ... ... ولا زال يهمي في الرياض سحابها

... وكيف لا ؟ وهي مهابط الوحي، ومنازل النبوة ومساقط الكرم، ومغارس الفتوة، ومنازه النفوس والخواطر، والرياض الحسنى، بل الروضة الغناء بكرتها المواطر.

بلدة ما رأيتها قط إلا ... ... قلت هذي أرضي ومسقط راسي

Page 5

لست أشكو بها من العيش إلا ... ... أنني لا أزال في جلاسي بذلوا لي من السماحة وما ود ... ... وهو منهم يزيد في إيناسي

فنهاري في حرز طه مقيم ... ... ومسائي ما بين ورد وآس

يا خليلي من دون كل خليل ... ... وأنيسي من دون أهلي وناسي

بلغ المصطفى بها من سلام ... ... وثناء معطر الأنفاس

فهو سؤلي من الأنام جميعا ... ... طوق جيدي أمنيتي تاج راسي

لا تحيل الأيام صدق ولائي ... ... واعتقادي في طيب أصل غراسي

فعلى كل من يحل بناديه ... ... وجمع الرفاق والجلاس

من إله الأنام ألف ألف ... ... ... من سلام نام بغير قياس

... ولقد جاء في الأثر عن سيد البشر: ((حب الوطن من الإيمان)) ومن المحبة نشر المحاسن، والتشبيب بذكر الأماكن.

أعد ذكر من حل الغضا يا معذبي ... ... وإن أضرموا بالأضالع والصدر

ولا تنس سكان العقيق وإنهم ... ... على وجنتي أجروه في مدة الهجر

... خطر ببالي، ولاح في خيالي أن أذكر بعض محاسنها، وأتعرض لذكر بعض أماكنها، باللوى والعقيق، والنقا، والفريق.

طور يماني إذا لاقيت ذا يمن ... ... وإن لقيت معديا فعدنان

منهج المؤلف:

... وقد بدا لي أن يكون هذا المجموع البديع وصفه، والمنيع جمعه مبنيا على مقالتين وخاتمة، ومن الله تعالى المسؤول حسن الخاتمة، فإذا تجلت شموسه انجلت عروسه.

اسم الكتاب:

وسميته: (( الجواهر الثمينة في محاسن المدينة )) وبالله التوفيق.

محاسن تهدي المادحين لوصفها ... ... فيحسن فيها منهم النثر والنظم

... وإذا نفحته نوافح القبول من حضرة السيد الرسول، وعوذت محاسن هذه الرسالة بالمرسلات، وأرتشف من زهر منثورها المطلول قطر النبات، فالأولى بها حيث اشتملت على أخبار ديار المصطفى، وهو في الحقيقة حبيب القلوب على الإطلالة، وأنبأت عن آثار أزهار مآثر النبوة، والصفاء، ولا غرو أن تتأرج بهذه الأنفاس المدينة أرجاء الآفاق.

Page 6

كرر حديثك مخطئا ومصيبا ... ... إن كان عهدك بالديار قريبا فلقد رجعت إلى القلوب بروح ما ... حدثت أرواحنا لنا وقلوبنا

... إن تلحظها عيون العناية الرحمانية، وتشملها سوابق الرعايا الصمدانية، فتندرج في خزائن الملك المؤيد بالسعد، فلا برح قائد اهتمامه المسدد بالتوفيق إلى أقوم طريق، فلا زال رفيقه في رحيله، ومقامه. أو كما قال:

ملك كأن الشمس ضوء جبينه ... ... متهلل الإمساء والإصباح

وإذا حللت ببابه ورواقه ... ... ... فانزل بسعد وارتحل بنجاح

وقال أيضا:

ملك إذا عاينت نور جبينه ... فارقته والنور فوق جبيني

ولو التثمت يمينه وبرزت ... ... من أبوابه لثم الأنام يميني

... أعظم من تفخر الأساطين بتقبيل أعتابه، وتتباهى السلاطين بخدمة أبوابه، أكرم من أنام الأنام في ظل عدله، وأحيا ميت الإعدام بوافر إحسانه، وأفضله، مظهر آيات الألطاف الربانية، مصدر أنوار العنايات الرحمانية، مطرح أزهار الملكوتية، مطمح الأنظار اللاهوتية، باسط بساط العدل والإنصاف، هادم أساس الجور والاعتساف، ناصر الشريعة القويمة، مالك المسالك المستقيمة، ظل الله تعالى الوريف، الممتد على القوي والضعيف، صاحب القران السعيد، وإسكندر الزمان المديد؛ الذي أجار الأنام من جور الأيام، وأسبل على الأمة سوابغ الكرم والنعمة، واستقامت له الأقاليم بأقلامه، وأمنت الأيامى في أيامه، ناشر ألوية العدالة والأمان، الممتثل لنص: ( *إن الله يأمر بالعدل والإحسن وإيتآىء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون) [النحل: 90].

نادى به الملك حتى قيل ذا ملك ... ... دنا به العدل حتى قيل ذا بشر

Page 7

سقى به الله دنيانا فأخصبها ... ... والعدل يفعل ما لا يفعل المطر ... هو مولانا السلطان الأعظم، والخاقان المكرم، صاحب البند والعلم، والسيف والقلم، سلطان البرين والبحرين، خادم الحرمين الشريفين، السلطان ابن السلطان، الملك، المظفر، المنصور، المعان، مولانا السلطان مراد خان ابن السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان بن السلطان مراد خان بن السلطان سليم خان بن السلطان محمد خان بن السلطان مراد خان بن السلطان سليم خان بن السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان بن السلطان محمد خان بن السلطان مراد خان بن السلطان محمد خان بن السلطان بايزيد خان بن السلطان مراد الغازي بن السلطان أورخان بن السلطان عثمان خان، عليهم الرحمة والرضوان.

أولئك الناس إن ذكروا ... ... ومن سواهم فلغو غير معدود

لو خلد الله ذا عز لعزته ... ... كانوا أحق بتعمير وتخليد

... اللهم أيد الإسلام وأعل كلمة الإيمان بدوام دولة هذا الملك؛ الذي أقيمت بدولته شعائر الدين، وأخمدت بصولته نار الملحدين، وعمرت بأيامه البسيطة، وجعلت ملائكة النصر برايته محيطة.

... اللهم اجعل فروع دولته في أيامه الزاهية الزاهرة يانعة، وبهجتها فوق مطالع البدور الباهية الباهرة طالعة، وزد في شأنه عظمة، وعلوا، واجعل الجوزاء دون منازل مقداره عزا، وسموا. ما دامت خيول عزمه في ميادين الظفر سابقة، ورياض هممه بغيوث كرمه ناضرة، باسقة، وهمته العلياء في البأس والندى، وفي الفضل لم تبرح مدى الدهر فائقة، فإن براعة استهلاله - زاد الله تعالى في إجلاله - براعة أولى ببديع نظامه، ولم تتخلص في الحقيقة إلى مديح غيره، ولا تكلمت إلا بحسن ختامه، وحيث كانت الثريا أقرب تناولا من ذلك المرام كما تقضى بصدق هذه الدعوى عز شرف المقام.

Page 8