Jawāhir al-Tafsīr
جواهر التفسير
Genres
رواه الشيخان. ومثل ذلك إعطاؤه صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم مع علمه بسوء اعتقادهم، ونسب هذه الاجابة القرطبي إلى علماء المالكية، وبمثله يوحي كلام ابن عطية، وذكر أنه ممن نص على ذلك من أصحاب مالك محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والأبهري وابن الماجشون، واستدل لذلك بقوله تعالى:
لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيهآ إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا
[الأحزاب: 60 - 61]، فإن ذلك منوط بإعلانهم النفاق كما قال قتادة.
وهذا ينافي ما روي عن مالك وبعض المالكية أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل المنافقين ليبين لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه، إذ لم يشهد على المنافقين، وهذا يتفق مع الجواب الأول.
وذكر القاضي إسماعيل أن عبدالله بن أبي لم يشهد عليه إلا زيد بن أرقم، وكذلك لم يشهد على الجلاس بن سويد إلا ربيبه عمير بن سعد، ولو شهد على أحدهما رجلان بكفره ونفاقه لقتل، وروي عن مالك: " النفاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزندقة فينا اليوم، فيقتل الزنديق إذا شهد عليه بها دون استتابة " وهو أحد قولي الشافعي.
واحتج الشافعي للقول الآخر بأن السنة فيمن شهد عليه بالزندقة فجحد وأعلن الايمان وتبرأ من كل دين سوى الاسلام أن ذلك يمنع من إراقة دمه، فإن امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين لما كانوا يظهرونه من الاسلام مع العلم بنفاقهم لأن ما يظهرونه يجب ما قبله، وبهذا القول قال أصحاب الرأي وأحمد والطبري وآخرون.
ولا يسلم للشافعي أن السنة فيمن شهد عليه بالنفاق فتبرأ مما نسب إليه أن يمسك عن قتله لأن المنافقين في عهده صلى الله عليه وسلم كانوا محتاطين لأنفسهم فلا يبوحون بما يقطع بكفرهم عند من تقوم عليهم بهم الحجة من المؤمنين، وإن استدل على طواياهم بفلتات ألسنتهم وقرائن أحوالهم، فليس في ذلك ما يعد بينة يصح بها القتل.
واستدل الطبري لما ذهبوا إليه بتكذيب الله تعالى ظواهر المنافقين في قوله: { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } ، وتعقبه ابن عطيه بأن للمالكية أن ينفصلوا عما ألزموا بهذه الآية بأنها لم تعين أشخاصهم، وإنما توبيخها يشمل كل مغموص عليه بالنفاق، وبقي لكل واحد منهم أن يتخلص بدعوى أنه لم يرد بها وأنه مؤمن، ولو عين أحد لما جب كذبه شيئا، وتعقب القرطبي هذا التعقب بأن هذا الانفصال فيه نظر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أو يعلم كثيرا منهم بأسمائهم وأعيانهم بإعلام الله تعالى إياه، وكان حذيفة - رضي الله عنه - يعلم ذلك بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم له، حتى أن عمر - رضي الله تعالى عنه - كان يشفق أن يكون منهم، فيقول له: يا حذيفة؛ هل أنا منهم؟ فيقول له: لا.
هذا وقد سبق ما يدلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحيط علما بجميع المنافقين، وإنما يعرف بعضهم بإخبار الله عنهم أو بتشخيص الوحي لأحوالهم.
رابعها: أن ترك قتلهم للأمن من شرهم، فإن الله قد حفظ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من إفساد المنافقين دينهم، بخلاف الأجيال التي جاءت من بعدهم فلا يؤمن عليها من شر أهل النفاق ومكائدهم.
Unknown page