237

ثم ذكر منشأ هذه العلة فقال: ولضعف العقل أسباب: منها ما هو فطري كما هو حال أهل البله والعته، وهو الذي لا يكلف صاحبه ولا يلام.

ومنها ما يكون من فساد التربية العقلية كما هو حال المقلدين الذين لا يستعملون عقولهم، وإنما يكتفون بما عليه قومهم من التقاليد والعادات ولا يعتنون بما أمر الله به من تمزيق هذه الحجب، وإزالة هذه السحب للوقوف على ما وراءها من مخدرات العرفان، ونجوم الفرقان، وشموس الايمان، بل يكتفون بما حكى الله عنهم في قوله:

إنا وجدنآ آبآءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون

[الزخرف: 23]، حتى يجيء اليوم الذي يقولون فيه:

ربنآ إنآ أطعنا سادتنا وكبرآءنا فأضلونا السبيلا

[الأحزاب: 67].

وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة ظاهرة وتنبيه بين على خطورة هذا الصنف من المرض، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:

" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "

، فإن جميع منافع الجسد متوقفة على سلامة القلب من الأمراض، فإذا غشيته هذه الأدواء لم تلبث منافع البدن أن تتحول إلى مضار قاتلة، لأن الانحراف النفسي يأتي عليه فيحوله عن طبعه.

هذا وإذا كان جل المفسرين - من السلف والخلف - يرون أن هذا المرض معنوي، فإن طائفة خالفتهم في رأيهم هذا، حيث قالت: إنه كان مريضا حقيقيا ألم بقلوب أولئك المنافقين مما يشاهدونه من انتشار الاسلام وسرعة أثره في النفوس، واكتساح تياره جميع العقائد الزائغة، والمبادىء الجاهلية الفاسدة، فكانت هذه المشاهدات تعتصر قلوبهم، وتضاعف همومهم، والحسد من شأنه أن يجر الأمراض إلى قلب صاحبه؛ لأن الحسود لا يقر له قرار، وقد كانوا يظنون بالاسلام أنه طفرة سوف تهدأ، وأن تياره عاصفة سوف تتوقف، وأن سوقه مهددة بالكساد، غير أن هذا الظن قد خاب عندما شاهدوه يحرز الانتصارات المتتابعة، ويلحق بأعدائه الهزائم المتلاحقة، ويغرز أعلام النصر في كل مكان، فكان ذلك منشأ ما ألم بقلوبهم من الآلام.

Unknown page