172

يأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة

[البقرة: 254]. وقوله:

وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين

[المنافقون: 10].

ومن حيث إن المال قوام الحال، تتوقف عليه مصالح النفس وترتبط به شئون الحياة، كان الانفاق المأمور به الذي مدح الله به عباده المتقين، هو لبعض المال لا لكل المال، وذلك واضح في هذه الآية، فقد قال تعالى فيها: { ومما رزقناهم ينفقون } ولم يقل وما رزقناهم ينفقون، ونحوه قوله سبحانه: { أنفقوا من ما رزقناكم }.

وهذا هو المنهج المعتدل بين الافراط والتفريط، فلا تبذير ولا تقتير في الانفاق الشرعي. أفاد ذلك الزمخشري وتابعه جل المفسرين، وخالفهم أبو السعود حيث رأى أن دخول من على الموصول للتنبيه على أن إنفاق بعض المال كاف في جعل المنفق من المتصفين بالهداية المستحقين للفلاح. وذكر أن ما قاله الزمخشري وتابعه عليه غيره مخصوص بمن لم يصبر على مشقة الفقر وإلا فلا مانع شرعا من التصدق بجميع المال، كما فعل الصديق - رضي الله عنه - ولم ينكره عليه النبي صلى الله عليه وسلم بما هو عليه من الصبر وما وقر في قلبه من الإيمان.

ومن ثم لما قيل للحسن بن سهل لا خير في الإسراف، أجاب: لا إسراف في الخير.

والنكتة التي نبه عليها الزمخشري المشار إليها بمن يدل على قصدها ما أمر الله سبحانه به في غير هذه الآية من الاعتدال في الانفاق بين طرفي التفريط والافراط، وذلك في قوله:

ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا

[الاسراء: 29].

Unknown page