164

وقد أجاد الأستاذ الإمام في قوله: الصلاة إظهار الحاجة والافتقار إلى المعبود بالقول أو العمل، وهو المراد بقولهم: الصلاة معناها الدعاء، لأن إظهار الحاجة إلى العظيم الكريم ولو بالفعل فقط، التماس للحاجة واستدرار للنعمة أو طلب لدفع النقمة، أرأيتم أولئك الذين يقفون بين أيدي الملوك ناكسي رؤوسهم حاني ظهورهم، وتارة يقعون على أقدامهم يقبلونها، أليس الباعث على هذا العمل إما خوف من عقوبة يطلبون به دفعها وإما حذر على نعمة يتقون سلبها ورفعها فيلتمسون بقاءها ويرجون زيادتها ونماءها؟ هذه الصلاة كانت توجد عند بعض الجاهليين وهم الذين كانوا يعرفون بالحنيفيين والحنفاء، وعند بعض أهل الكتاب - ثم قال - والصلاة بالمعنى الذي ذكرناه قد ظهر في الإسلام في أفضل أشكاله، وهو تلك الصلاة التي فرضها الله على المسلمين، فإن هذه الأقوال والأفعال المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم على النحو الذي جاءت به السنة المتواترة من أفضل ما يعبر به عن الإحساس بالحاجة إلى المعبود، وشعور الأنفس بعظمته لو أقامها المصلون وأتوا بها على وجهها.

ومما ذكره تتضح لك المناسبة بين الصلاة التي هي الدعاء والصلاة التي هي العبادة المعروفة، ولذلك أطلق عليها اسمها.

والصلاة مصدر صلى، والأصل في نحوه مما جاء على وزن (فعل) وهو معتل اللام أن يكون مصدره على وزن تفعلة، كزكى تزكية، ونمى تنمية، ولكن خولف هذا الأصل هنا لئلا تلتبس هذه العبادة المقدسة بالتصلية بالنار إن جاءت على لفظها، حتى أن بعض كبراء أئمة اللغة زعم أنه لم يستعمل في كلام العرب لفظ التصلية بمعنى الصلاة، وليس كذلك، فقد نقل بعضهم استعماله بهذا المعنى وهو نادر، ومنه قول الشاعر:

تركت القيان وعزف القيان

وأدمنت تصلية وابتهالا

وفي نقل الصلاة وأمثالها من الحقائق الشرعية عن أصولها اللغوية مجال واسع لمناقشات علماء أصول الفقه وغيرهم، فمن أراد الاطلاع على ذلك فليرجع إلى الكتب الخاصة بهذه الفنون.

الإنفاق ركيزة من ركائز الإيمان:

وبعد تثنية وصف المتقين بإقام الصلاة ثلث بالإنفاق من رزق الله، وقد تتابعت هذه الصفات حسب أهميتها وترتبها الواقعي، فالايمان بالغيب - كما سبق - هو القاعدة الأساسية التي تقوم عليها الأعمال الصالحة وتنبثق منها الفضائل، وهو صفة لازمة للمتقين لا تنفك عنهم في جميع الأحوال، والصلاة هي إمام الأعمال البدنية، وأقواها في تهذيب النفس وتقويم السلوك، وأجداها في إمداد العقيدة لما فيها من التذكير بالله وسلطانه وإحسانه - كما تقدم تفصيله - وهي أكثر الوظائف اليومية للمسلم تكررا.

والإنفاق من رزق الله هو الركن المالي الاجتماعي من أركان هذا الدين، وبه يتم تماسك المجتمع وترابط الأمة، لأن الله تعالى اقتضت حكمته أن لا يستقل أحد من الناس بمصالحه الحيوية، مهما أوتي من بسطة في الجسم وسعة في الرزق ونبوغ في التفكير، وبالانفاق من رزق الله من عباده الأغنياء على إخوانهم الفقراء يحصل بينهم التعاون الذي يترتب عليه التعايش السلمي والاستقرار النفسي والاجتماعي، وقبل حديثي عن الانفاق يحسن أن أتحدث عن الرزق من حيث مفهومه اللغوي والديني.

معنى الرزق لغة واصطلاحا:

Unknown page