[الأعراف: 127] وفسره بمعنى عبادتك، وذكر علماء العربية أن أله كعبد وزنا ومعنى، يقال أله إلهة وألوهة وألوهية كعبد عبادة وعبودية وعبودة، وقيل أصله أله على وزن سمع بمعنى تحير لأن العقول تتحير في معرفته سبحانه، ويرد على هذا أن الأصل في الاشتقاق أن يكون لمعنى في المشتق والحيرة إنما هي في العباد، وقبل أصله من أله بمعنى فزع لأن الخلق يفزعون إلى الله سبحانه
وهو يجير ولا يجار عليه
[المؤمنون: 88] وقيل من أله بمعنى سكن لأن النفوس تسكن إليه تعالى
ألا بذكر الله تطمئن القلوب
[الرعد: 28] وقيل هو مأخوذ من وله بمعنى تجبر فيكون على هذا أصل إله ولاه وإنما أبدلت الهمزة واوا كما قيل في وشاح إشاح، وقيل غير ذلك، وهذه الأقوال كلها مبنية على التخمين الذي لا يشفي غليلا، والظاهر أن اسم الجلالة غير مشتق والألف واللام فيه ليستا للتعريف فإن هذا الاسم الكريم هو أعرف المعارف فليس بحاجة إلى أن تجتلب له أداه تعريف والقول بعدم اشتقاقه محكي عن الخليل بن أحمد الفراهيدي مع حكاية القول الآخر عنه وذكر بعض المؤلفين أن الخليل رؤي في المنام بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال رحمني بقولي إن اسم الجلالة غير مشتق، ولابن مالك النحوي الشهير في المقام تحرير " ما أظن أن شبهة تبقى معه لمدعى اشتقاق هذا الاسم الكريم وأن أصله إله، وحاصل ما يقوله أنه يكفي في رد دعوى القائلين بالاشتقاق أنهم ادعوا ما لا دليل عليه، لأن الله والإله مختلفان لفظا ومعنى أما لفظا فلأن الله عينه حرف علة والإله صحيح العين واللام وإنما فاؤه همزة فهما من مادتين، وردهما إلى أصل واحد تحكم من سوء التصريف، وأما معنى فلأن الله لم يطلق في جاهلية ولا إسلام على غير الحق تبارك وتعالى وأما الإله فأصل وضعه لمطلق المعبود ولكنه خص بالمعبود بحق، ومن قال أصله الإله لا يخلو من أمرين، إما أن يقول أن حذف الهمزة كان ابتداء ثم ادغمت اللام، أو يقول إن حركتها أزيلت وألقيت إلى اللام قبلها ثم حذفت على القياس، والأمران باطلان أما الأول فبطلانه لأجل دعوى حذف الفاء بلا سبب ولا مشابهة ذي سبب من اسم ثلاثي ولا يصح أن يقاس هذا الحذف على الحذف في يد وما شابهه لأن الحذف في باب يد في الأواخر، ويترخص فيها ما لا يترخص في فاء الكلمة ثم لا يقاس على الحذف في باب عدة لأن الحذف فيه محمول على الحذف في المضارع من بابه وهو يعد، ولا على رقة بمعنى ورق لمشابهته عدة وزنا وإعلالا، ولولا أنه بمعناه لألحق بباب لثه وهو الثنائي المحذوف اللام، وأما (ناس) فأصله أناس، فالناس من نوس والأناس من الأنس، ولو سلم أن أصلهما واحد فالحمل عليه زيادة في الشذوذ وكثرة مخالفة الأصل بلا داع.
وأما الثاني فبطلانه لاستلزامه مخالفة الأصل من وجوه، أحدها نقل حركة بين كلمتين على سبيل اللزوم ولا نظير له، (الثاني) نقل حركة همزة إلى مثل ما بعدها وهو يوجب اجتماع مثلين متحركين وهو أثقل من تحقيق الهمزة بعد ساكن، (الثالث) الرجوع إلى تسكين المنقول إليه الحركة وهو يبطل النقل لأنه يعود عملا كلا عمل، وهو مستقبح في كلمة فكيف بالكلمتين، (الرابع) إدغام المنقول إليه في ما بعد الهمزة وهو مجانب للقياس لأن الهمزة المنقولة الحركة في تقدير الثبوت، فإدغام ما قبلها في ما بعدها كإدغام أحد المنفصلين، وقد اعتبر أبو عمرو في الإدغام الكبير الفصل بواجب الحذف كالياء في نحو (يبتغ غير) فلم يدغم.
فاعتبار غير واجب الحذف أولى والذين يزعمون أن أصله إله يقولون: إن الألف واللام عوض من الهمزة، ويرده أن المعوض والمعوض عنه لا يحذفان معا وقد حذفت الألف في قول الشاعر:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب
عنى ولا أنت دياني فتخزوني
وقالوا: (لهي أبوك) فحذفوا لام الجر والألف واللام وقدموا الهاء وسكنوها فصارت الألف ياء، وهذا يدل أن الألف كانت منقلبة لتحركها وانفتاح ما قبلها فلما وليت ساكنا عادت إلى أصلها وفتحتها فتحة بناء وسبب البناء تضمن معنى التعريف عند أبي علي، ومعنى حرف التعجب إذ لم يقع في غيره وإن لم يوضع له حرف عند ابن مالك، هذا ملخص كلامه وهو منتهى الجودة ولكن لعل خصومه يجدون في قول الله تعالى:
Unknown page