111

Jawahir Tafasir

جواهر التفسير

Genres

[هود: 49]، وكما قال في آخر سورة يوسف بعد سرد قصته مع إخوته:

ذلك من أنبآء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون

[يوسف: 102]. وختمت هذه السورة - أي سورة مريم - بإبطال الشرك وإثبات التوحيد، ونفي اتخاذ الله تعالى للولد، وتقرير عقيدة البعث والجزاء، فهي بمعنى سائر السور التي كانت تتلى للدعوة، ويقصد بها إثبات التوحيد والبعث ورسالة خاتم النبيين، وصدق كتابه الحكيم.

وأما سورة العنكبوت وسورة الروم فقد افتتحت كل منهما بعد { الم } بذكر أمر من أهم الأمور المتعلقة بالدعوة، فالأول الفتنة في الدين، وهي إيذاء الأقوياء للضعفاء، واضطهادهم لأجل صرفهم عن دينهم بالقوة القاهرة.

كان مشركو قريش يظنون أنهم يطفئون الإسلام ويبطلون دعوته بفتنتهم للسابقين إليه لا سيما الضعفاء الذين لم يكن لهم ناصر من الأقوياء بحمية نسب ولا رابطة ولاء، وكان المضطهدون من المؤمنين لا يدركون حكمة الله في ظهور أعدائه عليهم، فبين الله في فاتحة هذه السورة أن الفتنة في الدين من سننه تعالى في نظام الاجتماع، يمتاز بها الصادقون من الكاذبين، ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، وتكون العاقبة للمتقين الصابرين، فكانت السورة جديرة بأن تفتتح بالحروف المنبهة لما بعدها.

والأمر الثاني الذي افتتحت به سورة الروم هو الإنباء بأمر وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل وصول خبره إلى قومه، والإنباء بما سيعقبه مما هو في طوايا الغيب، ذلك أن دولة فارس غلبت الروم في القتال الذي كان قد طال أمره بينهما، فأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، وبأن الأمر سيدول وتغلب الروم الفرس في مدى بضع سنين، وقد صدق الخبر ونجز الوعد، فكان كل منهما معجزة من أظهر معجزات القرآن، والآيات المثبتة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولو فات من تلاها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم من أولها لما فهموا مما بعدها شيئا، فكانت جديرة بأن تبدأ بهذه الحروف المسترعية للأسماع، المنبهة للأذهان، وكان هذا بعد انتشار الاسلام بعض الانتشار وتصدي رؤساء قريش لمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الدعوة وتلاوة القرآن على الناس، ولا سيما في موسم الحج، وكان السفهاء يلغطون إذا قرأ ويصخبون، كما أخبر عنهم سبحانه في قوله:

وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون

[فصلت: 26].

وأما سورة (ن) ففاتحتها وخاتمتها في بيان تعظيم شأن الرسول صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم، ودفع شبهة الجنون عنه، وهي أول ما نزل بعد سورة العلق وكانت شبهة رميه - حماه الله وكرمه - بتهمة الجنون مما يتبادر إلى الأذهان من غير عداوة ولا مكابرة، فإن رجلا أمينا فقيرا وادعا سلما ليس برئيس قوم ولا قائد جند، ولم يكن ذا تأثير في الشعب بخطابة ولا شعر، يدعي أن جميع البشر على ضلال الكفر والفسق، وأنه مرسل من الله لهداية الخلق، وأن دينه سيهدي العرب والعجم، وإصلاح شرعه سيعم جميع الأمم، لا يستغرب من مدارك أولئك المشركين الجاهلين بسنن الله في الأمم، وآياته في تأييد المرسلين، أن يكون أول ما يصفون به صاحب هذه الدعوة قبل ظهور الآيات والعلوم بقولهم: إنه لمجنون، وبعد ظهورها بقولهم: ساحر أو كاهن أو مجنون، وبعد ظهور العلم والعرفان بقولهم: معلم مجنون:

كذلك مآ أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون

Unknown page