مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أوضح في كلامه سبيل الهداية، وأطلع في ملاك القلوب من مشارق النصوص أقمار الولاية، ومحى بأكف النبوة والإمامة آيات الضلال والغواية، وفتح بأحاديث الأئمة المعصومين عليهم السلام أبواب العلم والدراية، وفجر لأهل التسليم والانقياد ينابيع الحكمة فأنقذهم من العماية، فرووا علومهم عن العلماء عن الأئمة الأمناء عن النبي المصطفى صلى الله عليه وآله النجباء، عن الجناب المقدس الإلهي فأكرم برواة تلك الرواية والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله ذوي الذوات القدسية، والكمالات العلية، والكرامات الجلية صلاة وسلاما دائمين ما در شارق أو لاح بارق.
وبعد فيقول الفقير إلى الله الغني محمد بن الحسن الحر العاملي عامله الله بلطفه الخفي.
لا يخفى ما لكلام الله سبحانه من المزية على كل كلام فمنه تظهر أنوار الرشاد ظهور الأنوار من الأكمام، وبه تجلت شمس الهدى من أفق النبوة - على صاحبها الصلاة والسلام - فهو جدير بصرف الهمم إليه واقبال القلوب والافهام عليه. وقد وردت جملة منه يرويها العلماء الأخيار عن الأئمة الأطهار عن النبي المختار.
Page 3
- عليه وعليهم السلام - عن الذات المقدسة الإلهية، وهي المشهورة بالأحاديث القدسية، غير أني لم أجدها مجموعة في كتاب، ولا تعرض لتأليفها فيما أعلم أحد من الأصحاب، فأحببت إفرادها بالتأليف وجمع شملها في كتاب لطيف يجمع المهم من أحكام الايمان ويقمع بمواعظه البالغة رؤس مكايد الشيطان، ويفضل على غيره بقوة الدليل ومتانة البرهان، ويفخر على كل كتاب بأنه أخو القرآن فجمعت منها هذه النبذة التي وصلت إلي راجيا أن تعود بركتها علي بعد التوقف من ذلك اعترافا بالقصور عن سلوك تلك المسالك، ثم استخرت الله سبحانه وأقدمت بعد الاحجام مستعينا بالله جل جلاله على الاتمام، وسميته:
الجواهر السنية في الأحاديث القدسية ورتبته أبوابا بحسب ترتيب من خوطب بذلك الكلام من الأنبياء عليهم السلام راجيا من الملك العلام المعونة على اتمام المراد والمرام وأخرت ما لم يدخل تحت عنوان تلك الأبواب، فأفردت له أبوابا في أواخر الكتاب بحسب ترتيب المخبرين به عن الله - جل جلاله - من أئمتنا عليهم السلام، وجمعت الأحاديث القدسية التي وردت في شأن أمير المؤمنين علي والأئمة من ولده عليهم السلام والنص عليهم من الله عز وجل وجعلتها بابين:
أحدهما فيها ورد من طرقنا وكره علمائنا في مصنفاتهم.
Page 4
والآخر فيما ورد من طرق العامة وكتبهم فخرج في البابين ما يروي الغليل ويشفي العليل، ويهدي إلى سواء السبيل.
ولا ريب أن الأحاديث الشريفة القدسية التي ذكرت في هذين البابين واتفق على نقلها كلا الطائفتين وصحت أسانيدها من الطريقتين وانعقد عليها إجماع الفريقين قد تجاوزت بكثرتها حد التواتر المعنوي، وأوجبت لذوي الانصاف العلم اليقيني، وحكمت بالبرهان الصحيح القطعي بوجوب اتباع مذهب، الامامية وأن الحق مع الفرقة الناجية الاثني عشرية، وأن مذهبهم واجب لاتباع، قد انعقد على برهانه الاجماع وارتفع فيه النزاع، وكم قام لهذه الدعوى من دليل قاطع واتضح لها من برهان ساطع.
وحسبك ما اشتمل عليه كتاب الألفين مع تواتر الأحاديث من الجانبين.
والفضل ما شهدت به الأعداء.
وإذا وقفت على ما ورد في هذا المعنى من الأحاديث القدسية علمت بورود أضعاف أضعافه من السنة النبوية مضافا إلى النصوص القرآنية والبراهين العقلية.
والحق جديد وإن طالت عليه الأيام، والباطل مخذول وإن نصره أقوام كما قال أمير المؤمنين عليه السلام وأرجو أن يكون هذا الكتاب فائقا على جميع المصنفات مختصا بالمحاسن التي لا توجد في غيره من المؤلفات إذ تفرد بجلالة الموضوع، وجمع المهم من الأصول والفروع، واشتماله على المواعظ اللطيفة الشافية والوصايا الكافية الوافية، والفوائد العالية الغالية.
Page 5
واشتمل مع ذلك على بيان الفرقة الناجية لتضمنه النصوص الصريحة الظاهرة على إمامة الاثني عشر من العترة الطاهرة ونقلت الأحاديث المودعة فيه من كتب صحيحة معتبرة، وأصول معتمدة محررة، وسأذكر الطرق إلى مؤلفيها في آخر الكتاب وإن كان تواتر هذه الكتب وشهرتها يرفع عنها الشك والارتياب، وإنما نذكر طرقها للتبرك باتصال سلسلة الخطاب، وهو أمر مرغوب فيه عند أولي الألباب، وما نقلته في شأن الأئمة عليهم السلام من كتب العامة تعلم صحته بموافقته لما تواتر من أحاديث الخاصة، والله أسأل أن يثبته لي في صحائف الحسنات إنه قريب مجيب الدعوات.
المؤلف
Page 6
الباب الأول فيما ورد في شأن آدم عليه السلام روى الشيخ الجليل ثقة الاسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني (رض) عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعن علي ابن إبراهيم عن أبيه جميعا عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول: إن الله عز وجل لما أخرج ذرية آدم (ع) من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له وبالنبوة لكل نبي، فكان أول من أخذ له عليهم الميثاق بنبوة محمد بن عبد الله (ص) ثم قال إن الله عز وجل قال لآدم: انظر ما ذا ترى فنظر آدم إلى ذريته، وهم ذر قد ملأوا السماء.
قال آدم: يا رب ما أكثر ذريتي ولأمر ما خلقتهم فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم. قال الله جل وعز (يعبدونني لا يشركون بي شيئا ويؤمنون برسلي ويتبعونهم).
قال آدم: يا رب فما لي أرى بعض الذر أعظم من بعض وبعضهم له نور كثير وبعضهم له نور قليل وبعضهم ليس له نور، فقال الله عز وجل (لذلك خلقتهم لأبلوهم في كل حالاتهم).
قال آدم: يا رب أتأذن لي بالكلام فأتكلم. قال الله عز وجل (تكلم فإن روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي).
فقال آدم: يا رب فلو كنت خلقتهم على مثال واحد وقدر
Page 7