مُقَدِّمَة المحَقِق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ خاتَمِ الأنبياء والمرسلين وبعد:
فهذا كتاب "جواهر القرآن" للإمام الغزالي ﵁، أبرز فيه رحمه الله تعالى جواهر القرآن، ونبَّهَ على الغَوْصِ في مُحيطه، والإفادة من جواهرِهِ، والالتقاط من دُرَرِه، والظَّفَرِ بنفائِسه، للفوز بِخَيْرِ الدُنيا والآخرة، فهو كتاب يدل عنوانُهُ على نفاسَةِ موضوعه وشرف مضمونه ورِفْعَةِ غايَتِهِ.
عملي في هذا الكتاب
عندما وقعت بين يدي نسخة هذا الكتاب وجدتُ غالبها متصل الأسطر، غير مُجَزَّأ الفَقَرات، فعمدت إلى تجزئَةِ الكتاب في فَقَرات، وضبَطتُ الشَّكل فيها، ورتبت سَرْدَ آياتِ القرآن، خصوصًاَ عند بيان الغزالي لِنَمَطِ جواهرِ القرآن ونَمَطِ دُرَرِه، فذكرت في أول السطر في كل نَمَط عدد آيات الجواهر من كل سورة، ثم أتبعتُ ذلك بالآيات نفسها، مُبْتَدِئًا بكل مجموعة منها في السورة من أول السطر أيضًا.
1 / 5
ثم عمدت إلى الأحاديث النبوية التي ذكرها الغزالي في مقدمة كتابه فَأشَرْتُ في هامش هذه الطبعة إلى موضع روايتها في كتب الحديث؛ كما عمدت إلى الآيات القرآنية فأشرت إلى رقم كل آية ومَوْضِعها من السورة؛ كما عمدتُ أيضًا إلى الكلمات الصعبة في الكتاب فشرحتُ معناها من كتب اللغة.
ولا أدعي الكمال في عملي ذلك كله، إنما هي محاولة لتقديم هذا الكتاب في صورة تُسَهِّل على القارئ مطالعة الكتاب والإفادة من موضوعه.
وقد اعتمدتُ في ضبط هذا الكتاب وإخراجه على النسخة المطبوعة بالمكتبة التجارية الكبرى لصاحبها مصطفى محمد، بأول شارع محمد علي بمصر - القاهرة، الطبعة الثانية ١٣٥٢ هـ = ١٩٣٣ م. والله وليُّ التوفيق.
بيروت أول رجب الخير ١٤٠٤ هجرية.
محمد رشيد رضا القباني
الموافق للأول من نيسان ١٩٨٤م.
1 / 6
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحِيمِ
ترجمة حياة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى
الإمام الغزالي هو أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الملقب حجة الإسلام، زين الدين الطوسي، الفقيه الشافعي، ولد بطوس، سنة خمسين وأربعمائة.
ويحكى أن والده كان صالحًا، لا يأكل إلا من كسب يده، يعمل في غزل الصوف ويبيعه في دكانه؛ ولما حضرته الوفاة أوصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له متصوف ومن أهل الخير وقال له: إن لي لتأسُّفًا عظيمًا على تعلم الخط، وأشتهي استدراك ما فاتني في ولديَّ هذين، فعلِّمهما، ولا عليك أن تُنفِذَ في ذلك جميع ما أخلفه لهما. فلما مات أقبل الصوفي على تعليمهما إلى أن فنيَ ذلك النزر اليسير الذي خلّفه لهما أبوهما، فقال لهما: إعلما أني قد أنفقت عليكما ما كان لكما، وأنا رجل من الفقر، لا مال لي أواسيكما به، فأرى أن تلجأا إلى مدرسة، فإنكما من طلبة العلم، فيحصل لكما قوت يعْينكما على وقتكما، ففعلا ذلك، وكان هو السبب في سعادتهما وعلو درجتهما. وكان
1 / 7
الغزالي يحكي ذلك ويقول: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله.
وقد كان والد الغزالي ﵀ يطوف على المتفقِّهة، ويجالسهم، ويتوفرَّ على خدمتهم، ويَجِدُّ في الإحسان إليهم، والنفقة بما يمكنه عليهم، وكان إذا سمع كلامهم بكى وتضرَّع، وسأل الله أن يرزقه ابنًا واعظًا، ويجعله فقيهًا، فاستجاب الله دعْوَتَيه، أما أبو حامد فكان أفقه أقرانه، وإمام أهل زمانه؛ وأما أحمد فكان واعظًا، تلينُ الصُمُّ الصخور عند سماع تحذيره، وترتعد فرائِصُ الحاضرين في مجالس تذكيره.
قرأ الغزالي في صباه طرفًا من الفقه على أحمد محمد الراذكاني، ثم قدم بعد ذلك إلى نيسابور، ولازم إمام الحرَمَيْن أبي المعالي الجُوَيني، وجدَّ واجتهد حتى برع في المذهب، والخلاف، والجدل، والمنطق، وقرأ الحكمة، والفلسفة، وأحكَمَ كل ذلك، وفهم كلام أهل هذه العلوم، وتصدى للردّ عليهم وإبطال دعاويهم، وصنَّفَ في كل فن من هذه العلوم كُتبًا أحسنَ تأليفها، وأجاد وضعها.
وكان الغزالي ﵁ شديد الذكاء، سديد النظر، قويَّ الحافظة، بعيد الغَوْر، غوَّاصًا على المعاني، مُناظِرًا مِحْجاجًا.
ولما مات إمام الحرَمَيْن "الجُوَيْني" خرج الغزالي قاصدًا الوزير "نظام الملك". وكان مجلسه مجمع أهل العلم، فناظر الأئمة العلماء في مجلسه، وظهر كلامه عليهم، واعترفوا بفضله، وتلقَّاه الصاحب بالتعظيم والتبجيل، وولاه تدريس مدرسته "النظّامية" ببغداد سنة أربعٍ وثمانين وأربعمائة، فقدمها
1 / 8
في تجمُّل كبير، وتلقَّاهُ الناس، ونفذت كلمته، وعظمت حشمته حتى غلبت على حشمة الأمراء والوزراء، وأعجب الخلقَ حسنُ كلامه، وكمالُ فضله، وفصاحةُ لسانه، ونُكَتُه الدقيقة، وإشاراته اللطيفة، وأحبوه. وأقام على تدريس العلم ونشره بالتعليم والفُتيا والتصنيف مُدةً. كان عظيم الجاه، عالي الرتبة، مسموع الكلمة، مشهور الاسم، تضرب به الأمثال، وتُشد إليه الرحال، حتى شَرُفَت نفسه عن كل جاه، وترك ذلك كله وراء ظهره ورحل إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، فخرج إلى الحج في شهر ذي الحجة سنة ثمانٍ وثمانين وأربعمائة (٤٨٨ هجرية) واستناب أخاه في التدريس ببغداد.
ودخل دمشق بعد عودته من الحج في سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة (٤٨٩ هجرية)، فلبث فيها أيامًا يسيرة، ثم توجه إلى بيت المقدس، فجاور ربه مدةً، ثم عاد إلى دمشق، واعتكف بالمنارة الغربية من الجامع، وبها كانت إقامته.
وقد صادف دخوله يومًا المدرسة الأمينة فوجد المدرس يقول: قال الغزالي وهو يدرس كلامه فخشي الغزالي على نفسه العجَبَ ففارق دمشق، وأخذ يجول في البلاد، فدخل مصر، وتوجه إلى الإسكندرية، فأقام بها مدة، وقيل إنه عزم على المضي إلى السلطان يوسف بن تاشفين سلطان المغرب لِما بلغه من عدله، فبلغه موته، واستمر يجول في البلدان حتى عاد إلى خراسان ودرَّس بالمدرسة النظامية بنيسابور مدة يسيرة، ثم رجع إلى طوس، واتخذ إلى جانب داره مدرسة للفقهاء، وخانقاه للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف من ختم القرآن، ومجالسة أرباب القلوب، والتدريس لطلبة العلم، وإدامة الصلاة والصيام وسائر العبادات، إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى ورضوانه. وكانت
1 / 9
وفاته بطوس، في يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة، سنة خمسٍ وخمسمائة (٥٠٥ هجرية)؛ وعمره خمس وخمسون سنة.
قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب "الثبات عند الممات": "قال أحمد أخو الإمام الغزالي: لما كان يوم الاثنين وقت الصبح، توضأ أخي أبو حامد وصلى وقال: عليَّ بالكفن، فأخذه وقبَّله، ووضعه على عينيه، وقال: سمعًا وطاعة للدخول على الملك، ثم مدَّ رجليه، واستقبل القبلة، ومات قبل الإسفار، قدَّس الله روحه".
هذا وقد رثاه الأديب أبو المظفر محمد الأبيوردي، الشاعر المشهور، بأبيات فائية منها:
مضى وأعظمُ مفقودٍ فُجِعْتُ بِه ... من لا نظيرَ لهُ في الناسِ يخلُفُه
وتمثَّل الإمام إسماعيل الحاكمي بعد وفاته بقول أبي تمام من جملة قصيدة مشهورة له:
عجبتُ لصبري بعدَهُ وهوَ ميتٌ ... وكنتُ امرءًا أبكي دمًا وهوَ غائبُ
على أنها الأيامُ قد صِرْنَ كلُّها ... عجائبَ، حتى ليس فيها عجائبُ
وقد دُفن الغزالي ﵀ بظاهر الطابرّان، وهي قصبة طوس، رحمه الله تعالى.
1 / 10
باقة من كلماته
ومن كلماته المنثورة البديعة ﵀ ما نقله الزبيدي الشهير بمرتضى من طبقات المناوي في كتابه "إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين". وهي كلمات تعبر عن سعة علمه وإدراكه وفهمه:
- "أنوار العلوم لم تُحجب من القلوب لبُخلٍ ومنعٍ من جهة المُنعِمِ تعالى عن ذلك، بل لِخَبَثٍ وكدورةٍ وشغلٍ من جهة القلوب، فإنها كالأواني ما دامت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء، والقلب المشغول بغير الله لا تدخله المعرفة بجلاله".
- "جلاء القلوب والأبصار يحصل بالذكر، ولا يتمكن منه إلا الذين اتّقَوا، فالتقوى باب الذكر، والذكر باب الكشف، والكشف باب الفوز الأكبر".
- "قلب المؤمن لا يموت، وعلمه عند الموت لا ينمحي، وصفاؤه لا يتكدّر، وإليه أشار الحسن بقوله: التراب لا يأكل محل الإيمان".
- "مهما رأيت العلماء يتغايرون، ويتحاسدون، ولا يتآنسون، فاعلم أنهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فهم خاسرون".
- "أشدُّ الناس حماقة أقواهم اعتقادًا في فضل نفسه، وأثبتُ الناس عقلًا أشدهم اتهامًا لنفسه".
- "مهما رأيتَ إنسانًا سيِّء الظن بالله، طالبًا للعيوب، فاعلم أنه خبيث في الباطن، والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلق".
- "حقيقة الذكر لا تتمكن من القلب إلا بعد عمارته بالتقوى، وتطهيره من الصفات المذمومة، وإلا فيكون الذكر حديث نفس، ولا سلطان له على القلب، ولا يدفع الشيطان".
1 / 11
- "كما أنك تدعو ولا يُستجاب لك لفقد شرط الدعاء، فكذلك تذكر الله ولا يهرب الشيطان لفقد شروط الذكر".
- "النفس إذا لم تُمنَع بعضَ المباحات طمعت في المحظورات".
- "السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه، والشقاوة في أن تملكه نفسه".
- "من عوَّد نفسه الفكرَ في جلال الله وعظمته، وملكوتِ أرضه وسمائه، صار ذلك عنده ألذّ من كل نعيم، فلذةُ هذا في عجائب الملكوت على الدوام، أعظم من لذة من ينظر إلى أثمار الجنة وبساتينها بالعين الظاهرة، وهذا حالهم في الدنيا، فما الظن بهم عند انكشاف الغطاء في العقبى؟ ".
- "لا يبقى مع العبد عند الموت إلا ثلاث صفات: صفاء القلب أعني طهارته من أدناس الدنيا؛ وأُنسه بذكر الله؛ وحبه لله. وطهارة القلب لا تحصل إلا بالكف عن شهوات الدنيا؛ والأُنس لا يحصل إلا بكثرة الذكر؛ والحُب لا يحصل إلا بالمعرفة، ولا تحصل معرفة الله إلا بدوام الفكر".
- "علماء الآخرة يُعرفون بسيماهم من السكينة والذلة والتواضع، أما التمشدق والاستغراق في الضحك، والحدّة في الحركة والنطق فمن آثار البطر والغفلة، وذلك من دأب أبناء الدنيا".
وله ﵀ دعاء عجيب جرَّبه أهل العرفان عند حلول الفاقة وهو:
- "اللهم يا غني، يا حميد، يا مبدئ، يا معيد، يا رحيم، يا ودود، أغنني بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سِواك قال: من ذكره بعد صلاة الجمعة وداومَ عليه أغناه الله عن خلقه، ورزقه من حيث لا يحتسب".
* * *
وللإمام الغزالي مصنفات كثيرة منها:
1 / 12
كتاب "الوسيط" و"البسيط" و"الوجيز" في الفقه. و"إحياء علوم الدين". و"المُسْتَصْفَى" في أصول الفقه. و"تهافت الفلاسفة". و"المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحُسنى". و"مشكاة الأنوار". و"الاقتصاد في الاعتقاد". و"معارج القدس في أحوال النفس" و"مقاصد الفلاسفة". و"تنزيه القرآن عن المطاعن". و"المعارف العقلية". و"فضائح الباطنية". و"التبر المسبوك في نصيحة الملوك". و"منهاج العابدين". و"ياقوت التأويل في تفسير التنزيل" وهو تفسير يقع في نحو أربعين مجلدًا. و"الحكمة في مخلوقات الله". و"مكاشفة القلوب المقرب إلى علاَّم الغيوب". و"جواهر القرآن" وهو الكتاب الذي بين أيدينا.
محمد رشيد رضا القباني
1 / 13
مُقَدّمَة الْمُؤلف
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَصلَاته وَسَلَامه على نبيه مُحَمَّد وَآله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ [وَبعد]:
فصل فِي فهرست الْكتاب الَّذِي سميناه جَوَاهِر الْقُرْآن
اعْلَم هداك الله، أَنا رتبنا هَذَا الْكتاب على ثَلَاثَة أَقسَام:
١ - قسم فِي الْمُقدمَات والسوابق.
٢ - وَقسم فِي الْمَقَاصِد.
٣ - وَقسم فِي اللواحق.
1 / 14
الْقسم الأول: فِي الْمُقدمَات والسوابق
ويشتمل هَذَا الْقسم على تِسْعَة عشر فصلا:
الْفَصْل الأول: فِي أَن الْقُرْآن هُوَ الْبَحْر الْمُحِيط، وينطوي على أَصْنَاف الْجَوَاهِر والنفائس.
الْفَصْل الثَّانِي: فِي حصر مقاصده ونفائسه وَأَنَّهَا ترجع إِلَى سِتَّة أَقسَام: ثَلَاثَة مِنْهَا أصُول مهمة، وَثَلَاثَة تَوَابِع متمة.
الْفَصْل الثَّالِث: فِي شرح آحَاد الْأَقْسَام السِّتَّة، وَأَنَّهَا تتشعب فَتَصِير عشرَة.
الْفَصْل الرَّابِع: فِي كَيْفيَّة انشعاب الْعُلُوم كلهَا من الْأَقْسَام الْعشْرَة، وَأَن عُلُوم الْقُرْآن تَنْقَسِم إِلَى علم الصدف، وَإِلَى علم الْجَوَاهِر، وَبَيَان مَرَاتِب الْعُلُوم.
الْفَصْل الْخَامِس: فِي كَيْفيَّة انشغاب علم الْأَوَّلين مِنْهُ والآخرين.
الْفَصْل السَّادِس: فِي معنى اشْتِمَال القرآم على الكبريت الْأَحْمَر، والرياق الْأَكْبَر، والمسك الأذفر، وَسَائِر النفائس والدرر، وَأَن ذَلِك لَا يعرفهُ إِلَّا من عرف كَيْفيَّة الموازنة بَين عَالم الشَّهَادَة وعالم الملكوت.
الْفَصْل السَّابِع: فِي أَنه لم عبر عَن مَعَاني عَالم الملكوت فِي الْقُرْآن بأمثلة مَأْخُوذَة من عَالم الشَّهَادَة.
الْفَصْل الثَّامِن: فِيمَا يدْرك بِهِ وَجه العلاقة بَين عَالم الملكوت وعالم الشَّهَادَة.
الْفَصْل التَّاسِع: فِي حل الرموز الَّتِي تَحت الكبريت الْأَحْمَر والترياق الْأَكْبَر،
1 / 15
والمسك الأذفر، وَالْعود واليواقيت والدرر وَغَيرهَا.
الْفَصْل الْعَاشِر: فِي الْفَائِدَة الَّتِي تَحت هَذِه الرموز.
الْفَصْل الْحَادِي عشر: فِي أَنه كَيفَ يفضل بعض آيَات الْقُرْآن على بعض وَكله كَلَام الله تَعَالَى.
الْفَصْل الثَّانِي عشر: فِي أسرار الْفَاتِحَة، واشتمالها على ثَمَانِيَة أَصْنَاف من جملَة الْأَصْنَاف الْعشْرَة من نفائس الْقُرْآن، وَذكر طرف من مَعَاني الرَّحْمَن الرَّحِيم بِالْإِضَافَة إِلَى خلقَة الْحَيَوَانَات.
الْفَصْل الثَّالِث عشر: فِي أَن الْأَبْوَاب الثَّمَانِية للجنة مَفْتُوحَة بِالْفَاتِحَةِ، وَأَنَّهَا مِفْتَاح جَمِيعهَا.
الْفَصْل الرَّابِع عشر: فِي آيَة الْكُرْسِيّ، وَأَنَّهَا لم كَانَت سيدة آي الْقُرْآن، وَلم كَانَت أشرف من ﴿شهد الله﴾ و﴿قل هُوَ الله أحد﴾ وَأول الْحَدِيد، وَآخر الْحَشْر، وَسَائِر الْآيَات.
الْفَصْل الْخَامِس عشر: فِي تَحْقِيق أَن سُورَة الْإِخْلَاص لم تعدل ثلث الْقُرْآن.
الْفَصْل السَّادِس عشر: فِي أَن ﴿يس﴾ لم كَانَت قلب الْقُرْآن.
الْفَصْل السَّابِع عشر: فِي أَن النَّبِي ﷺ لم خصص الْفَاتِحَة بِأَنَّهَا فضل الْقُرْآن، وَآيَة الْكُرْسِيّ بِأَنَّهَا سيدة آي الْقُرْآن، وَأَن ذَلِك لم صَار أولى من عَكسه
1 / 16
الْفَصْل الثَّامِن عشر: فِي حَال العارفين، وَأَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي جنَّة عرضهَا أكبر من السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَأَن جنتهم الْحَاضِرَة قطوفها دانية، وَلَيْسَت بمقطوعة وَلَا مَمْنُوعَة.
الْفَصْل التَّاسِع عشر: فِي سر السَّبَب الدَّاعِي إِلَى نظم جَوَاهِر الْقُرْآن فِي سلك وَاحِد، ونظم درره فِي سلك آخر، فَهَذِهِ تِسْعَة عشر فصلا.
الْقسم الثَّانِي: فِي الْمَقَاصِد
ويشتمل على لباب آيَات الْقُرْآن، وَهِي نمطان:
النمط الأول فِي الْجَوَاهِر: وَهِي الَّتِي وَردت فِي ذَات الله ﷿، وَصِفَاته وأفعاله خَاصَّة، وَهُوَ الْقسم العلمي.
النمط الثَّانِي فِي الدُّرَر: وَهُوَ مَا ورد فِيهِ بَيَان الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، والحث عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقسم العلمي.
فصل فِي خَاتِمَة النمطين: فِي بَيَان الْعذر فِي الِاقْتِصَار فِي آيَات الْقُرْآن على هَذِه الْجُمْلَة.
الْقسم الثَّالِث: فِي اللواحق
ومقصودة حصر جمل الْمَقَاصِد الْحَاصِلَة من هَذِه الْآيَات، وَهُوَ منعطف على جملَة الْآيَات، وَهُوَ كتاب مُسْتَقل لمن أَرَادَ أَن يَكْتُبهُ مُفردا، وَقد سميناه
1 / 17
" كتاب الْأَرْبَعين فِي أصُول الدُّنْيَا " فَإِنَّهُ يَنْقَسِم إِلَى عُلُوم يرجع حاصلها إِلَى عشرَة أصُول وَإِلَى أَعمال، وَهِي تَنْقَسِم إِلَى أَعمال ظَاهِرَة، وَإِلَى أَعمال باطنة.
فالأعمال الظَّاهِرَة: ترجع جُمْلَتهَا إِلَى أصُول أَيْضا.
والأعمال الْبَاطِنَة: تَنْقَسِم إِلَى مَا يجب تَزْكِيَة الْقلب مِنْهُ من الصِّفَات المذمومة؛ وَترجع مذمومات الْأَخْلَاق أَيْضا إِلَى عشرَة أصُول، وَإِلَى مَا يجب تخلية الْقلب مِنْهُ من الصِّفَات والأخلاق، وَأَن محمودات الْأَخْلَاق ترجع إِلَى عشرَة أصُول [أَيْضا] .
فيشتمل قسم اللواحق على أَرْبَعَة أَقسَام:
١ - المعارف
٢ - والأعمال الظَّاهِرَة.
٣ - والأخلاق المذمومة.
٤ - والأخلاق المحمودة.
الْقسم الأول: فِي المعارف، وَهِي عشرَة أصُول:
١ - أصل فِي ذَات الله تَعَالَى.
٢ - وأصل فِي تقدسي الذَّات.
٣ - وأصل فِي الْقُدْرَة.
٤ - وأصل فِي الْعلم.
٥ - وأصل فِي الْإِرَادَة.
٦ - وأصل فِي السّمع وَالْبَصَر.
٧ - وأصل فِي الْكَلَام.
٨ - وأصل فِي الْأَفْعَال.
1 / 18
٩ - وأصل فِي الْيَوْم الآخر.
١٠ - وأصل فِي النُّبُوَّة.
وخاتمة فِي التَّنْبِيه على الْكتب الَّتِي يطْلب مِنْهَا حقائق هَذِه الْأُمُور.
الْقسم الثَّانِي: فِي الْأَعْمَال الظَّاهِرَة، وَهِي عشرَة أصُول:
١ - أصل فِي الصَّلَاة
٢ - وأصل فِي الزَّكَاة
٣ - وأصل فِي الصَّوْم
٤ - وأصل فِي الْحَج
٥ - وأصل فِي قِرَاءَة الْقُرْآن
٦ - وأصل فِي الْأَذْكَار
٧ - وأصل فِي طلب الْحَلَال.
٨ - وأصل فِي حسن الْخلق.
٩ - وأصل فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر.
١٠ - وأصل فِي اتِّبَاع السّنة.
وخاتمة: تنعطف على الْجَمِيع فِي تَرْتِيب الأوراد.
الْقسم الثَّالِث: فِي أصُول الْأَخْلَاق المذمومة، وَهِي الَّتِي يجب تَزْكِيَة النَّفس مِنْهَا وَهِي عشرَة أصُول:
١ - أصل فِي شَره الطَّعَام
٢ - وأصل فِي شَره الْكَلَام
٣ - وأصل فِي الْغَضَب
٤ - وأصل فِي الْحَسَد
1 / 19
٥ - وأصل فِي حب المَال
٦ - وأصل فِي حب الجاه
٧ - وأصل فِي حب الدُّنْيَا
٨ - وأصل فِي الْكبر
٩ - وأصل فِي الْعجب
١٠ - وأصل فِي الرِّيَاء
وخاتمة: تنعطف على جملَة فِي جَوَامِع الْأَخْلَاق ومواقع الْغرُور مِنْهَا.
الْقسم الرَّابِع: فِي أصُول الْأَخْلَاق المحمودة، وَهِي عشرَة أصُول:
١ - أصل فِي التَّوْبَة
٢ - وأصل فِي الْخَوْف والرجا
٣ - وأصل فِي الزّهْد
٤ - وصل فِي الصَّبْر
٥ - وأصل فِي الشُّكْر
٦ - وأصل فِي الْإِخْلَاص والصدق
٧ - وأصل فِي التَّوَكُّل
٨ - وأصل فِي الْمحبَّة
٩ - وأصل فِي الرِّضَا بِالْقضَاءِ
١٠ - وأصل فِي الْمَوْت وَحَقِيقَته، وأصناف الْعقَاب الروحانية، وَبَيَان نَار الله الموقدة، الَّتِي تطلع على الأفئدة.
وخاتمة: تنعطف على الْجَمِيع فِي التفكر والمحاسبة. ثمَّ أبتدئ وَأَقُول:
1 / 20
القسم الأول / في المقدمات والسوابق
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول
في أن القرآن هو البحر المحيط وينطوي على أصناف الجواهر والنفائس
أما بعدَ حَمْدِ اللهِ الذي هو فاتحةُ كُلِّ كتاب، والصلاةِ على رُسُلِهِ التي هي خاتمةُ كل خطاب. فإِني أُنَبِّهك على رَقْدَتك، أيُّها المُستَرسِلُ في تِلاوَتِك، المُتَّخِذُ دراسة القرآن عملًا، المُتَلقِّفُ من معانيه ظواهر وجُمَلًا، إلى كم تطوف على ساحل البحر مُغَمَّضًا عينيك عن غرائبها؟ أَوَمَا كان لك أن تركب مَتْنَ لُجَّتِها لِتُبْصِرَ عجائبَها؟ وتسافَر إلى جزائرها لآِجتِنَاء أطَايِبِها؟ وتغوصَ في عمقها فتستغني بِنَيْلِ جواهِرها؟ أوَما تُعَيِّر نفسكَ في الحرمان عن دُرَرِها وجواهرها بإدمان النظر إلى سواحلها وظواهرها؟ أوَما بَلغك أن القرآن هو البحر المحيط؟ ومنه يتشعَّب علمُ الأَوَّلينَ والآخرِينَ كما يتشعب عن سواحل
1 / 21
البحر المحيط أنهارُها وجداوِلُها؟ أوَما تَغْبِطُ أقوامًا خاضوا في غَمرة أمواجها فظفروا بالكبريت الأحمر؟ وغاصوا في أعماقها فاستخرجوا الياقوتَ الأحمرَ، والدُرَّ الأزهَرَ، والزَّبَرْجَدَ الأخضر؟ وسَاحوا في سواحلها، فَالتَقَطُوا العَنبرَ الأشهَب، والعودَ الرَّطب الأَنضرَ؟ وتعلقوا إلى جزائرها واستَدَرُّوا من حيواناتها التِّرياقَ الأكبر، والمسك الأذْفَر؟ وها أنا أُرشدك قاضِيًا حقَّ إخائِك، ومُرتَجيًا بَرَكة دعائك إلى كيفية سياحتهم وغَوْصهم وسباحتهم.
1 / 22
الفصل الثاني
في حصر مقاصد القرآن ونفائسه
سِرُّ القرآن، ولُبَابُه الأصفى، ومقصدُهُ الأقصى، دعوَةُ العباد إلى الجَبَّار الأعلى، ربِّ الآخرةِ والأولى، خالق السماوات العُلَى، والأرَضين السُلفى، وما بينهما وما تحت الثَّرَى، فلذلك انحصرت سُوَرُ القرآن وآياتُه في ستة أنواع:
- ثلاثة منها: هي السوابق والأصول المُهِمِّة.
- وثلاثة: هي الرَّوادف والتوابع المُغنِيَة المُتِمَّة.
أما الثلاثة المُهِمَّة فهي:
(١) تعريف المدعو إليه.
(٢) وتعريف الصراط المستقيم الذي تجب ملازمته في السلوك إليه.
(٣) وتعريف الحال عند الوصول إليه.
وأما الثلاثة المُغْنِيَة المُتِمَّة:
- فأحدها: تعريف أحوال المُجيبين للدعوة ولطائف صُنع الله
1 / 23
فيهم؛ وسِرُّهُ ومقصودُه التشويقُ والترغيبُ، وتعريفُ أحوال النَّاكبين والنَّاكلين عن الإجابة وكيفيةُ قمعِ الله لهم وتنكيلِهِ لهم؛ وسِرُّهُ ومقصوده الاعتبار والترهيب.
وثانيها: حكاية أحوال الجاحدين، وكَشْفُ فضائحهم وجهلهم بالمجادلة والمُحاجَّة على الحق، وسِرُّه ومقصوده في جنب الباطل الإِفضاحُ والتَّنْفير، وفي جَنب الحق الإيضاحُ والتَّثْبيتُ والتَّقهير.
وثالثها: تعريف عمارة منازل الطريق، وكيفية أخذ الزاد والأُهبة والاستعداد.
فهذه ستة أقسام.
1 / 24