al-Gawahir al-hisan fi tafsir al-Qurʾan
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
Genres
وقوله تعالى: { ورافعك إلي } عبارة عن نقله من سفل إلى علو، وإضافة الله سبحانه إضافة تشريف، وإلا فمعلوم أنه سبحانه غير متحيز في جهة، { ومطهرك } ، أي: من: دعاوى الكفرة ومعاشرتهم.
وقوله: { وجاعل الذين اتبعوك } الآية: قال جمهور المفسرين بعموم اللفظ في المتبعين، فتدخل في ذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنها متبعة لعيسى؛ قاله قتادة وغيره؛ وكذلك قالوا بعموم اللفظ في الكافرين، فمقتضى الآية إعلام عيسى عليه السلام ؛ أن أهل الإيمان به، كما يجب، هم فوق الذين كفروا بالحجة، والبرهان، والعز والغلبة، ويظهر من عبارة ابن جريج وغيره؛ أن المراد المتبعون له في وقت استنصاره، وهم الحواريون.
وقوله تعالى: { ثم إلي مرجعكم } خطاب لعيسى، والمراد: الإخبار بالقيامة، والحشر، وباقي الآية بين، وتوفية الأجور هي قسم المنازل في الجنة، فذلك هو بحسب الأعمال، وأما نفس دخول الجنة، فبرحمة الله وتفضله سبحانه.
وقوله تعالى: { ذلك نتلوه عليك من الآيت } الآية: «ذلك»: إشارة إلى ما تقدم من الأنباء، و { نتلوه }: معناه: نسرده، و { من الآيت }: ظاهره آيات القرآن، ويحتمل أن يريد: من المعجزات والمستغربات؛ أن تأتيهم بهذه الغيوب من قبلنا، وبسبب تلاوتنا، و { الذكر }: ما ينزل من عند الله. قال ابن عباس: الذكر: القرآن، و { الحكيم }: الذي قد كمل في حكمته.
[3.59-61]
وقوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله... } الآية: قال ابن عباس وغيره: سبب نزولها محاجة نصارى نجران في أمر عيسى، وقولهم: يا محمد، هل رأيت بشرا قط من غير فحل، أو سمعت به، ومعنى الآية أن المثل الذي تتصوره النفوس والعقول من عيسى هو كالمتصور من آدم؛ إذ الناس مجمعون على أن الله تعالى خلقه من تراب من غير فحل، وفي هذه الآية صحة القياس.
وقوله تعالى: { ثم قال } ترتيب للأخبار لمحمد صلى الله عليه وسلم، المعنى: خلقه من تراب، ثم كان من أمره في الأزل أن قال له: كن وقت كذا.
وقوله تعالى: { الحق من ربك } ، أي: هذا هو الحق، و { الممترين }: هم الشاكون، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم في عبارة اقتضت ذم الممترين؛ وهذا يدل على أن المراد بالامتراء غيره ونهي عن الامتراء، مع بعده عنه على جهة التثبيت والدوام على حاله.
وقوله تعالى: { فمن حاجك فيه } ، أي: في عيسى، ويحتمل في الحق، والعلم الذي أشير إليه بالمجيء هو ما تضمنته هذه الآيات المتقدمة.
وقوله: { فقل تعالوا }: استدعاء للمباهلة، و { تعالوا }: تفاعلوا؛ من العلو، وهي كلمة قصد بها أولا تحسين الأدب مع المدعو، ثم اطردت؛ حتى يقولها الإنسان لعدوه، وللبهيمة، و { نبتهل }: معناه: نلتعن، ويقال: عليهم بهلة الله، والابتهال: الجد في الدعاء بالبهلة، روى محمد بن جعفر بن الزبير وغيره: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما دعا نصارى نجران إلى المباهلة، قالوا: دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتك بما نفعل، فذهبوا إلى العاقب، وهو ذو رأيهم، فقالوا: يا عبد المسيح، ما ترى، فقال: يا معشر النصارى، والله، لقد عرفتم أن محمدا النبي المرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لاعن قوم قط نبيا، فبقي كبيرهم، ولا نبت صغيرهم، وأنه الاستئصال إن فعلتم، فإن أبيتم إلا إلف دينكم وما أنتم عيه من القول في صاحبكم، فوادعوا الرجل، وانصرفوا إلى بلادكم؛ حتى يريكم زمن رأيه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، قد رأينا ألا نلاعنك، وأن نبقى على ديننا، وصالحوه على أموال، وقالوا له: ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا، يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا؛ فإنكم عندنا رضى».
Unknown page