206

al-Gawahir al-hisan fi tafsir al-Qurʾan

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

Genres

قال المهدوي: والتقدير: كإبطال الذي ينفق رياء.

وقوله تعالى: { ولا يؤمن بالله واليوم الأخر } يحتمل أن يريد الكافر أو المنافق؛ إذ كل منهما ينفق؛ ليقال: جواد، ثم مثل سبحانه هذا المنفق رياء بصفوان عليه تراب، فيظنه الظان أرضا منبتة طيبة؛ كما يظن قوم أن صدقة هذا المرائي لها قدر، أو معنى، فإذا أصاب الصفوان وابل من المطر، انكشف ذلك التراب، وبقي صلدا، فكذلك هذا المرائي، إذا كان يوم القيامة، وحضرت الأعمال، انكشف سره، وظهر أنه لا قدر لصدقاته، ولا معنى، والصفوان: الحجر الكبير الأملس، والوابل: الكثير القوي من المطر وهو الذي يسيل وجه الأرض، والصلد من الحجارة: الأملس الصلب الذي لا شيء فيه، ويستعار للرأس الذي لا شعر فيه.

وقوله تعالى: { لا يقدرون } يريد: الذين يتفقون رياء، أي لا يقدرون على الانتفاع بشيء من إنفاقهم ذلك، وهو كسبهم.

وقوله تعالى: { والله لا يهدي القوم الكفرين } إما عموم يراد به الخصوص، ويحتمل لا يهديهم في كفرهم؛ إذ هو ضلال محض، ويحتمل: لا يهديهم في صدقاتهم، وأعمالهم، وهم على الكفر.

[2.265-266]

وقوله تعالى: { ومثل الذين ينفقون أمولهم ابتغاء مرضات الله... } الآية: من أساليب فصاحة القرآن أنه يأتي فيه ذكر نقيض ما يتقدم ذكره؛ ليتبين حال التضاد بعرضها على الذهن، ولما ذكر الله صدقات القوم الذين لا خلاق لصدقاتهم، ونهى المؤمنين عن مواقعة ما يشبه ذلك بوجه ما، عقب في هذه الآية بذكر نفقات القوم الذين بذلوا صدقاتهم على وجهها في الشرع، فضرب لها مثلا، وتقدير الكلام: ومثل نفقة الذين ينفقون كمثل غارس جنة، أو تقدر الإضمار في آخر الكلام، دون إضمار في أوله؛ كأنه قال: كمثل غارس جنة - وابتغاء: معناه طلب، وهو مصدر في موضع الحال - وتثبيتا: مصدر، ومرضاة: مصدر من: رضي.

قال: * ص *: { ابتغاء مرضات الله وتثبيتا } كلاهما مفعول من أجله، وقاله مكي، ورده ابن عطية؛ بأن ابتغاء: لا يكون مفعولا من أجله، لعطف: «وتثبتا» عليه، ولا يصح في «تثبيت» أن يكون مفعولا من أجله؛ لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت؛ وأجيب: بأنه يمكن أن يقدر مفعول التثبيت الثواب، أي: وتحصيلا لأنفسهم الثواب على تلك النفقة؛ فيصح أن يكون مفعولا من أجله، ثم قال أبو حيان، بعد كلام: والمعنى أنهم يثبتون من أنفسهم على الإيمان، وما يرجونه من الله تعالى بهذا العمل. انتهى.

قال قتادة وغيره: { وتثبيتا }: معناه: وتيقنا، أي: أن نفوسهم لها بصائر متأكدة، فهي تثبتهم على الإنفاق في طاعة الله تثبيتا، وقال مجاهد والحسن: معنى قوله: { وتثبيتا } ، أي: أنهم يتثبتون، أين يضعون صدقاتهم.

قال الحسن: كان الرجل، إذا هم تثبت؛ فإن كان ذلك لله أمضاه، وإن خالطه شيء أمسك.

والقول الأول أصوب؛ لأن هذا المعنى الذي ذهب إليه مجاهد، والحسن إنما عبارته: «وتثبيتا»، فإن قال محتج: إن هذا من المصادر التي خرجت على غير الصدر؛ كقوله تعالى:

Unknown page