228

Jawahir

تفسير ابن بدران = جواهر الأفكار ومعادن الأسرار المستخرجة من كلام العزيز الجبار

Investigator

زهير الشاويش

Publisher

المكتب الإسلامي

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٠ هـ - ١٩٩١ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

كَفَرَ هؤلاء وحرفوا، فلهم سابقة في ذلك، ومعنى التحريف هنا: تبديل المعنى، وتأويله وتغييره، وأصله من انحراف الشيء عن جهته، وهو ميله عنها إلى غيرها فكذلك قوله: ﴿يحرفونه﴾، أي: يميلونه عن وجهه ومعناه الذي هو معناه، إلى غيره، كما قاله الإمام ابن جرير الطبري، فأخبر الله جل ثناؤه أنهم فعلوا ما فعلوا من ذلك، على علم منهم بتأويل ما حرفوا، وأنَّه بخلاف ما حرفوه إليه، فقال: ﴿يحرفونه من بعد ما عقلوه﴾، يعني: من بعد ما عقلوا تأويله، وهم يعلمون أنهم في تحريفهم ما حرفوا من ذلك مبطلون كاذبون، وذلك إخبار من الله تعالى عن إقدامهم على البهت، ومناصبتهم العداوة له ولرسوله موسى ﵇، وأن بقاياهم- من مناصبتهم العداوة لله ولرسوله محمَّد ﷺ، بغيًا وحسدًا- على مثل الذي كان عليه أوائلهم من ذلك، في عصر موسى ﵇. وحكى ابن اسحاق، عن بعض أهل العلم، وهو قول الرَّبيع بن أنس: أن الله تعالى إنَّما عنى بقوله: ﴿يحرفونه﴾، من سمع كلامه تعالى من بني إسرائيل مثل ما سمعه موسى ﵇ منه، ثم حرف ذلك وبدل من بعد سماعه وعلمه به، وفهمه إياه، وذلك أن الله تعالى إنما أخبر أن التحريف كان من فريق منهم، كانوا يسمعون كلام الله استعظامًا من الله، لما كانوا يأتون من البهتان، بعد توكيد الحجة عليهم والبرهان، وإيذانًا منه تعالى عباده المؤمنين، قَطْعَ أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما أتاهم به محمَّد ﷺ، من الحق والنور والهدى، فقال: ﴿أفتطمعون﴾ إلى آخر الآية. هذا ما اختاره الطبري من تفسير هذه الآية. والذي أختاره: أن المراد بقوله تعالى ﴿كلام الله﴾: هو التوراة وسائر الأمر والنهي، لأنك تقول: قرأت كلام الله وتريد به القرآن، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦] والمراد به: القرآن العظيم، إلى غير ذلك من الآيات الدّالة على ذلك، وإن صح أن بني إسرائيل قالوا لموسى: قد حيل بيننا وبين رؤية الله، فأسمعنا كلامه حين يكلمك، فحصل لهم السماع، ثم حرف فريق منهم معنى ما سمع، كان هذا أيضًا داخلًا فيما اخترناه، وجعل كلام الله عامًا هنا، أولى من حصره في هذه القضية على ما اختاره الطبري،

1 / 230