قال صاحب لنا: ماذا يسر أحدكما إلى صاحبه؟
قلت: لا يسر أحد منا إلى صاحبه شيئا.
قال صاحبي: إنما نتحدث عن هذا الفصل الذي كتبه كاتب يوصف بالامتياز، ولكنه لا يسمي نفسه، ولا يسميه ناشر هذا الفصل.
وأخذت الجماعة كلها تعبث بهذا الكتاب الذي امتاز في رأي نفسه وفي رأي ناشره، ولكنه لم يجد الشجاعة على أن يسمي نفسه، ولم يجد ناشره الشجاعة على أن يسميه. لم يكن الفصل سياسة ولا شيئا مما يخاف، وإنما كان أدبا أو شيئا يشبه الأدب. فلما ملأت الجماعة أفواهها بنقد هذا الكاتب وعيبه والاستهزاء به والنعي عليه، تبين لها أنه قد يكون جالسا بينها؛ هنالك سقط في أيدي القوم، وأدركهم وجوم كاد يطول لولا أن صاحب المجلس قال: سبحان الله!
فتفرق القوم، ومنهم من يستحيي، ومن لا حظ له من حياء.
تضليل
لم أر قط شيئا أجمل ولا أشد روعة مما رأيت اليوم؛ رأيت نفرا عرفوا بذكاء القلوب، ورجاحة الأحلام، وامتياز العقول، قد كذبوا على الناس فلم يصدقهم أحد، ولكنهم ألحوا في الكذب حتى صدقوا أنفسهم، ثم خدعوها بالغرور والأوهام، ثم ابتهجوا بهذا الانخداع؛ فكانت وجوههم مشرقة، وثغورهم باسمة، وألسنتهم منطلقة، بما يصور النصر المؤزر، والفوز المبين، وكان الناس الذين لم يؤمنوا لهم ولم يصدقوهم يضحكون من هؤلاء الأساتذة المحنكين الذين أرادوا أن يضلوا غيرهم فأضلوا أنفسهم.
قطط
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: لي صديق يحب القطط ويطيل عشرتها، وأكاد أعتقد أنه اكتسب من أخلاقها شيئا غير قليل.
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: فإن عشرة الحيوان للناس تعلمه الأنس بعد التوحش، وتكسبه غير قليل من خصال الحضارة؛ فما يمنع أن يتأثر الناس بالحيوان كما يتأثر الحيوان بالناس! وقد قال الشاعر القديم:
Unknown page