Janib Catifi
الجانب العاطفي من الإسلام
Genres
بازائها مشاعر وأفكارا كثيرة. ثم هناك تعويل الألوف المؤلفة على النتائج العاجلة فى هذه الدنيا، وتأثرهم بها.. هذا كله جعل الدين يبرز فى تعاليمه ناحيتين خطيرتين. الأولى: الإلحاح فى إفهام الناس أن الدنيا لا تطلب لذاتها، وأنها لا تستحق أن يتفانى الناس فيها، إنها إذا لم تكن وسيلة للآخرة، وإذا لم تصنع منها جسرا تعبر منه إلى رضوان الله فلا خير فيها... أطلبها، وامتلكها كلها إن استطعت، لكن على هذا الأساس! إن الله لم يقل لقارون صاحب الكنوز الهائلة: انخلع من مالك كى أرض عنك لا، ابق فيه ولكن (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ). الإسلام يحتقر الدنيا أشد الاحتقار عندما تكون الأمل الذى لا أمل معه، وعندما يركض البشر فى طلابها لا لشىء إلا للحصول عليها، والاستكثار منها. ثم الموت فى أطوائها، كما تموت دودة القز داخل ما تنسج، وليست تنسج لنفسها شيئا. إنه يحتقرها هدفا، ولكنه يحتفى بها وسيلة!. وفى الإزراء على الحياة الدنيا، عندما تكون غاية مجردة جاءت آيات كثيرة، وأحاديث شتى، نثبت هنا بعضها: قال الله تعالى: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا). والمثل واضح فى أن الدنيا تتبخر بين أيدى عبادها، كما يتبخر الماء من الهشيم، فإذا هم يقبضون أيديهم على وهم. ماذا كسب خزان المال عن وجوه الخير؟ وماذا ربحوا من نسيان رازقه، ورفض وصاياه فيه؟. ماذا نال عباد الأثرة والجاه والاستعلاء عندما يسلون من الحياة الدنيا سلا، مخلفين بعدهم أملاكا، ذهب اسمهم عنها، وآثار كحركة الريح فى صفحة الماء، لا استقرار لها ولا بقاء... وماذا يكون موقفهم عندما يقول الله لهم: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم) . إن عبادة الحياة، واعتدادها كل شىء، خطأ شائع، ولذلك صوب الإسلام إليه سهامه 164
وأوهن أركانه، وقد جاءت على لسان رسول الله نصائح عالية نوردها هنا بعدما رسمنا لها الإطار الذى يحدد المقصود منها، حتى لا يفهم غر أنها هجوم على الحياة مطلقا. إنها هجوم على نشدان الحياة للحياة، دون فكر فى رب، أو ثقة فى جزاء. عن ابن عباس: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة قد ألقاها أهلها، فقال: والذى نفسى بيده للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها . وفى رواية عن أبى الدرداء: مر النبى صلى الله عليه وسلم بدمنة قوم كوم سبخ فيها سخلة ميتة. فقال: ما لأهلها فيها حاجة؟ قالوا: يا رسول الله لو كان لأهلها فيها حاجة ما نبذوها! فقال : والله للدنيا أهون على الله من هذه السخلة على أهلها. فلا ألفيتها أهلكت أحدا منكم . وعن الضحاك بن سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا ضحاك ما طعامك؟ قال: يا رسول الله. اللحم واللبن! قال. ثم يصير إلى ماذا...؟. قال: إلى ما قد علمت... قال: فإن الله تعالى ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا . وهذه الآثار جميعا تنعى على عشاق اللذة، وطلاب المتعة ما ينغمسون فيه إلى الأذقان، ذاهلين على الله، وعن الآخرة... وإن كانت الدنيا إنما تطلب وتستحب، وسيلة لما بعدها ، وقنطرة لمثوبة الله جل وعلا، فإن طالبها يجب أن يلتزم القوانين التى شرعها من تطلب الدنيا لأجله. وقد روى عبد الله بن عمر وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الدنيا حلوة خضرة فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورب متخوض فيما اشتهت نفسه ليس له يوم القيامة إلا النار ". إن هناك آدابا لامتلاك الحياة يجب أن تدرس بدقة... وذاك سر حديثنا عن العفة والقناعة، والحل والحرمة...
Page 151