Janaqu Masamir Ard
الجنقو مسامير الأرض
Genres
قلت: إنت؟
قالت: أنا أمي بازاوية، وأبوي أمو حبشية وأبوه مسلاتي، وولدي متزوج من الحباب من أسرة الكنتباي ذاتها، وأنت عارف الحباب ديل ناس سمحين، وكل الأجناس القلتها ليك دي هي مجرد أسماء، ولكن في الحقيقة انمحوا في بعض، بس الواحد فيهم بيتمسك بقبيلة الأب، وطبعا دا كلام ساي، الدم كله من الأم، والروح من الأم، والأبو دا عنده شنو غير الموية؟ ثم أخذت تعدد لي الأشخاص وكيف خلطوا، وختمت حديثها بما يعتبر من المسلمات: أهلنا ديل يموتوا في الحبشيات، وحكت لي قصة الحاج الذي ألهاه الشيطان عن اللحاق بركب الحج، حيث تمثل له في شكل فرج أنثى على فرع من شجرة لالوب شائكة استظل تحتها بمصوع في طريقه إلى مكة، حيث أخذ الحاج يرمي العضو بالحجارة لكي يسقط في الأرض، يهتز العضو، ويكاد يسقط ولكنه يبقى في مكانه، وهكذا ظل الحاج يرمي الحجارة إلى انتهى موسم الحج، ولم يحظ بالعضو الجيد، ولم يحظ بالحج.
قلت لها: الصافية دي شنو؟ - جدها مسلاتي، أمها من الأمهرا من جهة الأم، فوراوية من جهة الأب، وبيتهم فيه البازاوي، والحبابوي، والقمراوي، والإنقريابي، والرباطابي، وحتى الحلفاوي، والمحسي، والدنقلاوي.
قلت لها: كويس الجنس البينقلب مرفعين دا شنو؟
قالت بطمأنينة العالم العارف: الحكاية كلها في اللبن.
صبت لي فنجانا آخر من القهوة، وهي تكمل حديثها: الحكاية كلها في اللبن، من جهة الأم، وخلط اللبن باللبن ما كويس، الواحدة تخلي أطفالها يرضعوا هنا وهناك، وهي لافة من بيت لبيت وما عارفة الناس، فيهم تيراب البنية البعاتي، وفيهم البنقلب غراب، وفيهم البنقلب أسد، أو مرفعين، أو برطا برطا، وفيهم البياكل الناس عديل كدا، وفيهم السحار، والبلد ملانة بالجن، تلقاهم في شكل نسوان، ورجال، وحمير، وكدايس، وشجر، وربنا يكون في العون، وحتى البومة دي لو لقت طفل وحده بترضعه، وربنا يكرم السامعين، دا هو تيراب السحارين، اللهم احفظنا واحفظ المسلمين، آمين يا رب العالمين.
قلت لها: أسرة الصافية هي أول أسرة في البلد هنا، مش كدا؟
قالت، وقد بدا عليها الارتباك قليلا: منو القال ليك أسرة الصافية، الصافية السكرانة دي ربيناها نحنا في أسرتنا تربية، أمها ولدتها ورمتها لينا هنا، وفاتت ما في زول يعلم وين، وأنا السميتها الصافية على جدتي، الأسرة الكانت هنا هي أسرتي أنا، ثم حكت لي الحكاية الحقيقية، وما عداها اعتبرته تشويها دافعه سوء النية، والجهل، والحسد، عندما جاء أهلها إلى هذا المكان، لم يكن به سوى الثعالب، المرافعين، القرود، الحلوف، أبو القدح، الأرانب، والصقور، والحبار، وأحيانا يرى الناس بعض النمور، كانت هناك غابات كثيفة من شجر الكتر، واللالوب، والهشاب، وبعض السيال، وعند الخيران، وبرك المياه، تنمو أشجار السنط، أما في الكرب وعلى شاطئ النهر فالعرديب والتبلدي، ولكن البلد مشهور بالجن وأبي لمبة، منذ أن تغرب الشمس يخرج أبو لمبة، كانت أسرتها في طريقها إلى مدينة القضارف، بعد أداء شعيرة الحج، حيث إنهم قدموا عن طريق اليمن، باب المندب، مصوع، الحبشة ثم إلى هنا، وقد داهمهم الخريف في هذا المكان، فأقاموا وبنوا أول منزل، قطع جدها وأبناؤه الأشجار، نظفوا الأرض، وزرعوا محصول الذرة والدخن والسمسم، قالت: دا قبل أكثر من مية، مية وخمسين سنة، حكت لها بذلك جدتها عن جدتها عن جدتها، قالت: جدنا الأكبر اسمو عبد الرازق وله توأم اسمو عبد الرزاق، حبوبتي قالت، حبوبتها قالت ليها: كانا يعملان في تجارة الحطب، والمحاصيل الزراعية التي ينتجانها، حيث يقومان ببيعها إلى الحبش في الحمرة، وبحر دار، وحتى نواحي قندر، قد يسافران لأيام تطول، بينما يبقى أبواهما في المنزل مع أختهما الصغيرة وهي التي تسمى الصافية، حكت لها جدة عن جدة عن الصافية، كان عمرها لا يتجاوز السنوات العشر في ذلك الوقت، ولكنها تتذكر إلى الآن اللحظة التي جاء فيها أخوها عبد الرازق التوم على رأسه طوق من الحديد، مربوط بشكل محكم، عيناه محمرتان وبارزتان إلى الخارج ولسانه خارج فمه مثل لسان الكلب، ورغم ذلك كان صامتا، فقط يصدر صوتا من صدره مثل نداء البوم، فهب إليه أبوها وأمها وأخوها عبد الرزاق، الذي خرج من السجن قبل يومين فقط، تذكر إلى الآن جملة واحدة وهي: أنا ممكون بالفرو.
وكان جسده كله يتصبب عرقا، أخذ أبي يقرأ على رأسه آيات من القرآن، ولكن عبد الرازق قال له: المبرد، المبرد يا حاج.
وفعلا أتى أخي عبد الرزاق بالمبرد، وقاما بقطع الفرو، وكانت لحظة عجيبة جدا، كلنا أحسسنا بالراحة، وكأنما هو ولد من جديد في تلك اللحظة، ولم يهتم أحد من الأسرة إطلاقا بالهواء العظيم الذي اندفع من دبر أخيها عبد الرازق، في شكل دوي هائل مدهشا سكون هواء الخريف الثقيل، ناثرا عفونة إسهال حبيس بئيس، ثم استفرغ، ثم نام، أيقظه أبوه في منتصف الليل، حيث أطعم، ثم نام مرة أخرى تاركا الأسرة كلها قابعة قرب رأسه ينظرون إليه مندهشين، وكان عبد الرزاق بين حين وآخر يردد: أنا السبب، دا كله عشاني أنا.
Unknown page