واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وقوله تعالى
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، وفي الحديث النبوي «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم»، وفي الحديث أيضا «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» ولذا كانت رابطة التعاون والإخاء عقيدة من عقائد المسلمين، وإن تناسوها ولم يعملوا بها إلا قليلا.
ومما جاء في الأمر الثاني أي في الرابطة الإنسانية قوله تعالى
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ، وفي الحديث: «لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى».
1
وأنت ترى من هذا البيان أن الإسلام له رابطتان؛ رابطة العواطف التي يشترك بها كل أرباب دين، ورابطة التعاون والإخاء التي يدعو إليها بالفعل، إلا أنه بين معنى هذا التعاون في أنه على الخير دون الشر، وعلى البر بالناس دون العدوان عليهم، لكي يكون ارتباطهم بجامعة الإخاء الديني واجتماعهم عليه غير مقصود به العدوان؛ بل المحاسنة والإحسان وصريح قوله بالاجتماع وعدم التفرق محمول على ما تستدعيه حالة الاجتماع، من لزوم حفظ البيضة وكف الأيدي العادية عن المجتمع، وهذا ضروري للمجتمعات كما أشرنا إليه في التمهيد.
ثم لكي لا تكون جامعة الدين سببا للعدوان مع الآخرين؛ بل وسيلة إلى التدرج في مدارج الإنسانية في أعم مظاهرها وهي المساواة العامة بين أفراد البشر وأقوامهم فيما تقتضيه حقوق الإنسان على الإنسان من الكرامة وحسن الجوار وتبادل المنافع، والأعمال التي جعلت الإنسان مدنيا بالطبع، أي محتاجا إلى التعاون مفتقرا بعضه إلى بعض، قال الله تعالى إرشادا للمؤمنين إلى ذلك
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
الآية.
هذه هي الوحدة الدينية التي يدعو إليها الإسلام، أفلا يرى المنصفون من كل قبيل أن الجامعة الإسلامية التي يوهم ساسة الغرب العالم المسيحي بخطرها على المدنية إذا اصطبغت بصبغة الدين هي خير للمدنية من ألا تصطبغ بهذه الصبغة،
Unknown page