وفي سنة (1179ه) رأى السلطان محمد بن عبد الله سلطان المغرب، وكان من عقلاء الملوك المسلمين وفضلائهم أن يمهد السبيل لإزالة أسباب التقاطع الواقع بين المسلمين وأمرائهم، وعلم أن الدولة العثمانية وهي أكبر دول الإسلام أولى بأن يوصل بها حبل الألفة، فأرسل إلى القسطنطينية رسولين ومعهما هدية إلى السلطان مصطفى الثالث فيها خيل عتاق بسروج محلاة بالذهب، وسيوف مرصعة وما أشبه ذلك، فقوبلت هديته بالسرور، وأرسل إليه السلطان مصطفى مركبا موسوقا من آلة الحرب كالمدافع والقنابل والبارود وإقامة خاصة بالمراكب الحربية التي كان يسمونها يومئذ المراكب القرصانية من كل ما تحتاج إليه.
ثم لما وقعت الحرب بين الروسيا والدولة العثمانية مدة السلطان عبد الحميد الأول الذي تولى الملك بعد السلطان مصطفى الثالث بادر السلطان محمد بن عبد الله المومأ إليه فأرسل إلى حاكم الجزائر أربع سفن حربية موسوقة بالهدايا وآلات الحرب، ورغب إليه أن يرسلها بواسطة حكومة الجزائر إلى القسطنطينية، فأساء ذلك الحاكم الوساطة ورد على سلطان المغرب ردا قبيحا، فلم يمنعه ذلك من المضي في سبيل التقرب من الدولة العثمانية ونصرتها، فبعث إلى القسطنطينية سفيرا هو محمدين العربي بهدايا نفيسة وكتاب إلى السلطان عبد الحميد، فبسط السفير إلى السلطان خبر إساءة حاكم الجزائر، وقال له: إن مولاي بلغه بواسطة بعض أن قناصل الدولة المحابة أن الروسيا والنمسا اتفقتا على مهاجمة القسطنطينية وسحق الدولة العثمانية بزعمها الفاسد فأقلق
5
ذلك خاطر مولاي وآلمه الخبر، ثم علم من ذلك القنصل أن دولتكم العلية أخذت بالاستعداد لمقابلة العدو وتوفرت على تجهيز الأساطيل وتحصين القلاع، فأرسلني لتبليغكم خبر استعداده لكل ما يطلب منه من المعونة ليقدم ما في استطاعته حتى نفسه وما يملك فداء عن حضرة السلطان، ولكي أبين لكم أسفه من تقاطع ملوك المسلمين لا سيما في مثل هذا الحين؛ لأن معاضدة الدول للروسيا أضر بالمسلمين، فما بالنا ونحن ملوك المسلمين لا نتحد ونتعاضد.
فأجيب السفير بالشكر على هذه العناية، وأن اعتبار سلطان المغرب بقوله تعالى:
وتعاونوا على البر والتقوى ، الذي يوجب اتفاق المسلمين وتعاون ملوكهم واتحادهم قد قدر عند السلطان تقديرا عظيما، وأن الدولة ولله الحمد كثيرة الجند ولا تحتاج لغير المال إذا أشهرت عليها الحرب، فإذا احتجنا إلى شيء منه فكم يستطيع السلطان أن يقرضنا.
فأجاب السفيران في إمكانه أن يقرضكم خمسة آلاف كيس.
فاستصغر هذا المبلغ من مثل سلطان المغرب، ومع ذلك لم تحتج الدولة يومئذ لهذا القرض؛ لأنها عقدت معاهدة صلح مع الروسيا وسافر السفير المغربي مكرما إلى الحجاز، ومن ثم بقيت الصلة الأدبية بين الدولتين مدة السلطان محمد المذكور.
وفي أواخر مدة السلطان عبد العزيز أرسل أمير بخارى رسولا إلى الأستانة يستغيث بالدولة من تعدي الدولة الروسية عليه وعزمها على اكتساح ملكه، وكان ذلك قبيل سقوط بخارى في يد الروس، ولم يستقر السفير في الأستانة حتى وردت الأخبار بسقوطها بيد الجنود الروسية.
وآخر من نعلم من أمراء الإسلام الذين أرادوا التقرب من الدولة العثمانية ولكن عند آخر نفس من الحياة السلطان برغش سلطان زنجبار، وذلك أنه طلب أن يضع بلاده تحت حماية الدولة العلية لما أخذت دولتا ألمانيا وإنكلترا بمضايقته ومحاولة الاستيلاء على بلاده فلم يفلح في طلبه، وأنى يفلح والدولة كانت خارجة من حرب الروس والدول كلها تتربص بها الدوائر، وليس بين ملوك المسلمين ما بين ملوك أوروبا من التعاون إذا اتحدت المصلحة وإن افترقت تلك الدول أحيانا في المطالب والغايات.
Unknown page