فيقال له (وحق دماغك). قياسًا على أن يقال له (وحق رأسك)؟. فإن هذا مما لا يجيزه أحد البتة. ألا ترى أن المؤلف، إذا أراد المدح، ذكر الرأس والهامة والكاهل وما جرى هذا المجرى، وإذا أراد الهجو، ذكر الدماغ والقفا والقذال، وما جرى هذا المجرى، وإن كانت معاني الجميع متقاربة. ولأجل ذلك حسنت الكناية في الموضع الذي يقبح فيه التصريح. وأمثال هذا الضرب من الكلام كثيرة، فاعرفه.
وأما الإفراط، فهو بمنزله ما روي عن النبي ﷺ وذلك أن رجلًا جاءه، فكلمه فقال (ما شاء الله وشئت). فقال له رسول الله ﷺ (أجعلتني لله ندًا)؟ قل (ما شاء الله وحده)، ومن هذا الباب قول عنترة:
وأنا المنيةُ، في الموِاطن كلَّها ... والطّعْنُ مني سابقُ الآجالِ
فإن الطعن، لا يسبق الأجل، إذ الأجل لا يتقدم ولا يتأخر. وقد قيل (سابق) أقرب أمرًا من كونه تاليًا، غير أن كلهما إفراط في القول. ومما جاء على نحو من هذا قول بشار.
إذا ما غَضبِنا غِضْبةً مُضَريّةً ... هتَكْنا حجاب الشمس أو قَطَرتْ دمَا
وقال أبو عثمان الجاحظ في كتاب الحيوان (لم نعلم أحد أسرف في القول كالنابغة