Jamic Kabir
الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور
Investigator
مصطفى جواد
Publisher
مطبعة المجمع العلمي
وتقديره في بطن أمه وبين إخراجه منها وتسهيل سبيله مهلة وزمانًا، فلذلك عطفه (بثم) وعلى هذا جاء قوله تعالى (ثم أماته فأقبره) وقوله (ثم إذا شاء أنشره) لأن بين إخراجه من بطن أمه وبين موته تراخيًا وفسحة، وكذلك بين موته ونشوره أيضًا، ولهذا عطفهما (بثم). ولما لم يكن بين موت الإنسان وإقباره تراخ ولا مهلة عطفه بالفاء، وأمثال هذا كثيرة، فينبغي لمؤلف الكلام تديرها والإتيان بها في أما كنها.
واعلم أن في حروف العطف موضعًا تلتبس فيه الفاء بالواو، وهو موضع يحتاج إلى فضل تأمل لأنه شديد الاشتباه والالتباس؛ وذلك أن فعل المطاوعة لا يعطف عليه إلا بالفاء دون الواو، وقد يجيء من الأفعال ما يلتبس بفعل المطاوعة ويعطي ظاهره أنه كذلك، إلا أن معناه يكون مخالفًا لمعنى فعل المطاوعة، فينعطف حينئذ بالواو لا بالفاء. وهذا موضع غامض يجب على المؤلف التحرز من الوقوع فيه، فمن ذلك قوله تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) فقوله تعالى (أغفلنا قلبه) هاهنا بمعنى صادفناه (غافلًا)، لأنه لو كان كذلك لكان معطوفًا عليه بالفاء وقيل (فاتبع هواه) وذلك أنه يكون مطاوعًا وفعل المطاوعة إنما يكون معطوفًا بالفاء دون الواو كقولك (أعطيته فأخذ ودعوته فأجاب) ولا تقول (أعطيته وأخذ ولا دعوته وأجاب) كما لا تقول (كسرته وانكسر) وكذلك لو كان معنى (أغفلنا) في الآية (صددنا) و(منعنا) لكان معطوفًا بالفاء، وكان يقال (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه) فلما لم يكن كذلك وكان العطف عليه بالواو؛ فطريقه أنه لما قال: (أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه أن يكون معناه (وجدناه غافلًا) وإذا وجد غافلًا فقد غفل لا محالة، وكأنه قال (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا
1 / 202