بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد
كتاب الجامع
باب ذكر السنن التي خلافها البدع وذكر الاقتداء والإتباع وشيء من فضل الصحابة ومجانبة أهل البدع
الحمد لله الذي شمل الخلق بنعمته، وبعث محمدًا في أعقاب المرسلين، برحمته بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فهدى الله ﷿ من أحب هداه، بعثه وكانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم به، فقام في العباد بحق الله عليه، حتى قبضه الله إليه حميدًا، صلوات الله عليه وبركاته بعد أن أكمل الله به دينه، وبلغ رسالة ربه، وأوضح كل مشكلة، وكشف كل معضلة، وأبقى كتاب الله ﷿ لأمته نورًا مبينًا، وسنته حصنًا حصينًا، وأصحابه حبلًا متينًا.
قال الرسول ﷺ: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما،
1 / 105
كتاب الله وسنة نبيه.
وقال ﵊: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وحذر ﵊ من الفتن والأهواء والبدع ومن زلة العالم.
وقال ﵊: لتركبن سنن من كان قبلكم ووصف ﵇ الخوارج فجعلهم ببدعتهم مارقين من الدين، وتتابعت الآثار في الخوارج، وفي القدرية والمرجئة والرافضة.
1 / 106
فعن هؤلاء تفرقت الأصناف الإثنان وسبعون فرقة التي حذر الرسول ﷺ منها، وذلك أن في أمته من تفرق عليها.
فيما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة، ومن السنن التي خلافها بدعة وضلالة: أن الله تبارك اسمه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، [لم يزل بجميع صفاته] وأسمائه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، أحاط علمًا بجميع ما برأ قبل كونه وفطر الأشياء بإرادته. وقوله: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٧٢]، وأن كلامه صفة من صفاته ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فتبيد، وأن الله ﷿ كلم موسى بذاته وأسمعه كلامه لا كلامًا قام في غيره، وأنه يسمع ويرى ويقبض ويبسط، وأن يديه مبسوطتان والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، وأنه يجئ يوم القيامة (بعد أن لم
1 / 107
يكن جائيًا) والملك صفًا صفًا لعرض الأمم وحسابها وعقوبتها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المذنبين، ويعذب منهم من يشاء، وأنه يرضى عن الطائعين ويحب التوابين ويسخط على من كفر به ويغضب فلا يقوم شيء لغضبه، وأنه فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه، وأن لله ﷾ كرسيًا كما قال ﷿: ﴿وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمواتِ وَالأرْضِ﴾ [البقرة: ٢٥٥].
ومما جاءت به الأحاديث أن الله سبحانه يضع كرسيه يوم القيامة لفصل القضاء.
1 / 108
قال مجاهد: كانوا يقولون: ما السماوات والأرض في الكرسي لا كحلقة ملقاة في فلاة.
وأن الله سبحانه يراه أولياؤه في المعاد بأبصار وجوههم لا يضامون في رؤيته، كما قال ﷿ في كتابه وعلى لسان نبيه.
قال الرسول ﷺ في قول الله سبحانه: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قال: الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله تعالى.
(والله يكلم العباد) يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمان
1 / 109
وأن الجنة والنار، قد خُلقتا، أعدت الجنة للمتقين، والنار للكافرين لا تفنيان ولا تبيدان.
والإيمان بالقدر خيره وشره، وكل ذلك قد قدره ربنا وأحصاه علمه، وأن مقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه تفضل على من أطاعه فوفقه وحبب الإيمان إليه فيسره له وشرح له صدره فهداه و﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي﴾ [الإسراء: ٩٧]، وخذل من عصاه وكفر به فأسلمه ويسره لذلك فحجبه وأضله، ومن يضلل الله فلن تجد له مرشدًا، وكل ينتهي إلى سابق علمه لا محيص لأحد عنه.
وأن الإيمان [٢ ب] قول باللسان، وإخلاص بالقلب، وعمل بالجوارح، ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية نقصًا عن حقائق الكمال لا مُحبطًا للإيمان () ولا قول إلا بعمل، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة
1 / 110
السنة.
وأنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، وإن كان كبيرًا ولا يُحبط الإيمان غيرُ الشرك بالله كما قال سبحانه: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلك﴾ [الزمر: ٦٥]، وأن الله ﵎ لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم، كما قال ربنا ﵎ في كتابه [العزيز] ولا يسقط شيء من ذلك عن علمه.
وأن ملك الموت يقبض الأرواح كلها بإذن الله كما قال سبحانه: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة: ١١].
وأن الخلق ميتون بآجالهم: (فأراوح السعادة) باقية ناعمة إلى يوم يبعثون، وأرواح أهل الشقاء باقية في سجين معذبة إلى يوم الدين، وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
وأن عذاب القبر حق.
1 / 111
وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويضغطون ويبلون، ويُثبت الله منطق من أحب تثبيته.
وأنه يُنفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون كما بدأهم يعودون عراة حفاة غرلًا.
وأن التي أطاعت وعصت هي التي تبعث يوم القيامة لتُجازى، والجلود التي كانت في الدنيا (هي التي تشهد) والألسنة والأيدي والأرجل هي التي تشهد عليهم يوم القيامة على من تشهد عليه منهم.
وتنصب الموازين لوزن أعمال العباد فأفلح من ثقلت موازينه وخاب وخسر من خفت موازينه، ويُؤتون صحائفهم: فمن أوتي كتابه بيمينه حوسب حسابًا يسيرًا، ومن أوتي كتابه بشماله فأولئك يصلون سعيرًا.
وأن الصراط جسر مورود يجوزُه العباد بقدر أعمالهم، فناجون
1 / 112
متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم، وقوم أوثقتهم فيها أعمالهم.
وأنه يخرج من النار من في قلبه شيء من الإيمان.
وأن الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين ويخرج من النار بشفاعة رسول الله ﷺ قوم من أمته بعد أن صاروا حممًا [٣ أ] [فيطرحون] في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة.
[والإيمان بحوض رسول الله ﷺ برده أمته] لا يظمأ من شرب منه، ويُذاد عنه من غير وبدل.
1 / 113
والإيمان بما جاء من [خبر الإسراء] بالنبي ﷺ إلى السماوات على ما صححته الروايات، وأنه رأى من آيات ربه الكبرى، وبما ثبت من خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم ﵇ وقتله إياه، وبالآيات التي تكون بين يدي الساعة من طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وغير ذلك مما صححت الروايات.
ونُصدق بما جاءنا عن الله ﷿ في كتابه، وما ثبت عن رسول الله ﷺ من أخباره يُوجب العمل بمحكمه ونقر بنص مشكلِه ومتشابهه، وبكل ما غاب عنا من حقيقة تفسيره إلى الله سبحانه، والله يعلم تأويل المتشابه من كتابه والراسخون في العلم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا.
وقال بعض الناس: (إن الراسخين يعلمون) مشكله ولكن الأول
1 / 114
قول أهل المدينة، وعليه يدل الكتاب.
وأن خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، كما قال النبي ﵇.
وأن أفضل الأيمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وقيل: ثم عثمان وعلي ﵃، ويكف عن التفضيل بينهما، وروي ذلك عن مالك، وقال: ما أدركت أحدًا أقتدي به يفضل أحدهما على صاحبه ويرى الكف عنهما.
وروي عنه القول الأول وعن سفيان وغيره، وهو قول أهل الحديث، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر من المهاجرين ثم من الأنصار ومن جميع أصحابه على قدر الهجرة والسابقة والفضيلة.
وكل من صحبه ولو ساعة، أو رآه ولو مرة فهو بذلك أفضل من أفضل التابعين.
والكف عن ذكر أصحاب رسول الله ﷺ إلا بخير ما يذكرون به.
1 / 115
وأنهم أحق الناس أن تنشر محاسنهم، ويلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب، قال الرسول ﷺ: لا تُؤذني في أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه، وقال ﵇: [٣ ب] إذا ذكر أصحابي فأمسكوا.
قال أهل العلم: لا يُذكرون إلا بأحسن ذكر.
[والسمع] والطاعة لأيمة [المسلمين].
وكل من ولي أمر المسلمين عن رضا أو عن غلبة فاشتدت وطأته من بر أو فاجر فلا يخرج عليه جار أو عدل، ويُغزى معه العدو ويحج البيت، ودفع الصدقات إليهم مجزية إذا طلبوها، وتُصلى خلفهم الجمعة والعيدان.
1 / 116
قال غير واحد من العلماء وقاله مالك: لا يصلى خلف المبتدع منهم إلا أن تخافه (على نفسك) فتصلي، واختلف في الإعادة.
ولا بأس بقتال من دافعك من الخوارج واللصوص من المسلمين وأهل الذمة عن نفسك ومالك.
والتسليم للسنن لا تعارض برأي ولا تدافع بقياس، وما تأوله منها السلف الصالح تأولناه، وما عملوا به عملناه، وما تركوه تركناه ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا ونتبعهم فيما بينوا، ونقتدي بهم فيما استنبطوه ورأوه في الحوادث ولا نخرج عن جماعتهم فيما اختلفوا فيه أو في تأويله.
وكل ما قدمنا ذكره فهو قول أهل السنة وأيمة الناس في الفقه والحديث على ما بيناه، وكله قول مالك، فمنه منصوص من قوله، ومنه معلوم من مذهبه.
قال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: سن رسول الله ﷺ وولاة الأمر من بعده سننا الآخذ بها تصديقًا بكتاب الله واستكمالًا لطاعة الله وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النظر فيما خالفها من اقتدى بها مهتد ومن استنصر بها منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا.
قال مالك: أعجبني عزم عمر في ذلك.
قال مالك: والعمل أثبت من الأحاديث، قال من اقتدى به: إنه يصعب
1 / 117
أن يقال في مثل ذلك: حدثني فلان عن فلان، وكان رجال من التابعين تبلغهم عن غيرهم الأحاديث فيقولون ما نجهل هذا ولكن مضى العمل على خلافه.
وكان محمد بن أبي بكر بن حزم ربما قال له أخوه: لِمَ لَمْ تقضِ بحديث كذا؟ فيقول: لم أجدِ الناس عليه.
قال النخعي: لو رأيت الصحابة يتوضأون [٤ أ] إلى الكوعين لتوضأت كذلك، وأنا أقرأها إلى المرافق، وذلك لأنهم لا يُتهمون في ترك السنن وهم أرباب العلم وأحرصُ خلق الله على إتباع رسول الله ﷺ فلا يظن ذلك بهم أحد إلا ذو ريبة في دينه.
قال عبد الرحمن بن مهدي: السنة المتقدمة من سنة أهل المدينة خير من الحديث.
قال ابن عيينة: الحديث مضلة إلا للفقهاء.
يريد: أن غيرهم قد يحمل شيئًا على ظاهره، وله تأويل من حديث غيره،
1 / 118
أو دليل يخفي عليه، أو متروك أوجب تركه غير شيء مما لا يقوم به إلا من استبحر وتفقه.
قال ابن وهب: كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال ولولا أن الله أنقذنا بمالك والليث لضللنا.،
وروي أن النبي ﷺ قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".
وقال ابن مسعود: من كان مستنًا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد ﷺ كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلمًا.
قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في أقوالهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الصراط المستقيم.
قال مالك: قال عمر: قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض
1 / 119
وتركتم على الواضحة إلا أن تميلوا بالناس يمينًا وشمالًا.
قال مالك: قد نهجت السبل (واستبان الأمر).
قال ذلك الرجل: لأنا عليكم من العمد أخوف مني عليكم من الخطأ.
قال مالك: وإنما فسدت الأشياء حين تُعدِي بها منازلها.
قال مالك: وليس هذا الجدل من الدين بشيء.
(قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضًا للخصومات أكثر التنقل والدين حدوده بينة ليس بأمر توقف فيه النظر).
قال عمر بن عبد العزيز: لست بمبتدع ولكني متبع.
قال مالك: وكان يقال لا تُمكن زائغ القلب من أذنيك فإنك ما تدري ما يعلمك من ذلك، ولقد سمع رجل من الأنصار من [٤ ب] أهل المدينة شيئًا من بعض أهل القدر، فعلق قلبه، فكان يأتي إخوانه الذين يستنصحهم، فإذا نهوه قال: فكيف بما علق قلبي ولو علمت أن الله رضي أن ألقي بنفسي من فوق هذه المنارة فعلت.
قال مالك: ولقد قال رجل: لقد دخلت هذه الأديان كلها فلم أر شيئًا مستقيمًا، فقال له رجل من أهل المدينة من المتكلمين: أنا أخبركم لِمَ ذلك، لأنك لا تتقي الله [تعالى]، ولو اتقيته لجعل لك مخرجًا.
1 / 120
ومن قول أهل السنة: إنه لا يعذر من وداه اجتهاده إلى بدعة؛ لأن الخوارج اجتهدوا في التأويل فلم [يُعذروا] إذ خرجوا بتأويلهم عن الصحابة، فسماهم ﵇ مارقين من الدين، وجعل المجتهد في الأحكام مأجورًا وإن أخطأ.
قال مالك: والقدرية أشر الناس ورأيتهم أهل طيش وسخافة عقول وبدع بآي كثيرة عليهم، منها قول الله ﷿: ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١١٠]، ومنها: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ﴾ [هود: ٣٦]، وقال: ﴿وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: ٢٧]، وقال: ﴿ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ١٦٣]، وقال: ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٦]، في آي كثيرة.
قال مالك: والإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
وفي بعض الروايات عنه: دع الكلام في نقصانه، وقد ذكر الله زيادته في القرآن.
1 / 121
قيل: فبعضه أفضل من بعض؟ قال: نعم.
قال بعض أهل العلم: إنما توقف مالك عن نقصانه في هذه الرواية خوفًا من الذريعة أن نتأول أنه ينقص حتى يذهب كله فيؤول ذلك إلى قول الخوارج الذين يحبطون الإيمان بالذنوب، ولكن إنما نقصه عنده فيما وقعت فيه زيادة وهو العمل، قيل لمالك: أقول: مؤمن والله محمود، أو إن شاء الله؟
فقال: قل: مؤمن ولا تخلط معها غيرها.
وقاله الأوزاعي.
قال سحنون: لا تخلط معها غيرها، لا تقل: إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا والله محمود.
قال محمد بن سحنون: فمن قطع الاستثناء وأوجب أنه مؤمن (عند الله) فقد أجابكم إلى القول بأنه مؤمن عند الله، ومن استثنى ولم يقطع لنفسه، قلنا له: أنت أعلم منا بضميرك، وما غاب عنا من عقدك [٥ أ]
1 / 122
فأخبرنا عن غيبك فإن كنت كذا، فذكر شرايط الإيمان، وإن كنت كذا فأنت منافق ونحو هذا، ومن قطع لنفسه من أيمتنا فليس يعني مستكمل الإيمان، ولكن مؤمن مذنب يقول: آمنت بالله ورسله وما جاءت به رسله، فأنا مؤمن بذلك عند الله في وقتي هذا والله أعلم بخاتمتي.
قال مالك: أهل الذنوب مؤمنون مذنبون.
وقد سمى الله ﷿ العمل إيمانًا، وقال: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣]، يريد: صلاتكم إلى بيت المقدس.
قال مالك: القرآن كلام الله وكلامه لا يبيد ولا ينفد وليس بمخلوق.
وقال رجل لمالك: يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] كيف استوى؟
قال: الاستواء غير مجهول، والكيف منه غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، وأراك صاحب بدعة أخرجوه.
قيل لمالك: أيُرى الله ﷿ يوم القيامة؟
قال: نعم، يقول الله ﷿: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)﴾ [القيامة ٢٢: ٢٣].
1 / 123
وقال ﷿ في أخرى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥].
قال مالك: قال عبد الله بن عمر: وإن دون الله سبحانه يوم القيامة سبعون ألف حجاب.
قيل: فمن تحدث بالحديث: إن الله خلق آدم على صورته، وأن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة، وأنه يُدخِلَ يده في جهنم فيُخرج منها من أراد فأنكر ذلك إنكارًا شديدًا، ونهى أن يحدّث به.
قيل: قد تحدث به ابن عجلان؟
قال: لم يكن من الفقهاء.
ولم ينكر مالك حديث التنزل، ولا حديث الضحك.
قيل: فحديث إن العرش اهتز لموت سعد؟
قال: لا يتحدث به، وما يدعو الإنسان إلى الحديث بذلك وهو يرى ما فيه من التغرير؟
قيل: فالحديث: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها.
1 / 124