Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
[2.22]
وقوله: { الذي جعل لكم الأرض فرشا } مردود على «الذي» الأولى في قوله:
اعبدوا ربكم الذي خلقكم
[البقرة: 21] وهما جميعا من نعت «ربكم»، فكأنه قال: اعبدوا ربكم الخالقكم، والخالق الذي من قبلكم، الجاعل لكم الأرض فراشا. يعني بذلك أنه جعل لكم الأرض مهادا وموطئا وقرارا يستقر عليها. يذكر ربنا جل ذكره بذلك من قيله زيادة نعمه عندهم وآلائه لديهم، ليذكروا أياديه عندهم فينيبوا إلى طاعته، تعطفا منه بذلك عليهم، ورأفة منه بهم، ورحمة لهم، من غير ما حاجة منه إلى عبادتهم، ولكن ليتم نعمته عليهم ولعلهم يهتدون. كما: حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { الذي جعل لكم الأرض فرشا } فهي فراش يمشى عليها، وهي المهاد والقرار. وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: { الذي جعل لكم الأرض فرشا } قال: مهادا لكم. وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: { الذي جعل لكم الأرض فرشا }: أي مهادا. القول في تأويل قوله تعالى: { والسماء بنآء }. قال أبو جعفر: وإنما سميت السماء سماء لعلوها على الأرض وعلى سكانها من خلقه، وكل شيء كان فوق شيء آخر فهو لما تحته سماء. ولذلك قيل لسقف البيت سماؤه، لأنه فوقه مرتفع عليه، ولذلك قيل: سما فلان لفلان: إذا أشرف له وقصد نحوه عاليا عليه، كما قال الفرزدق:
سمونا لنجران اليماني وأهله
ونجران أرض لم تديث مقاوله
وكما قال نابغة بني ذبيان:
سمت لي نظرة فرأيت منها
تحيت الخدر واضعة القرام
يريد بذلك: أشرفت لي نظرة وبدت، فكذلك السماء: سميت للأرض سماء، لعلوها وإشرافها عليها. كما: حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { والسماء بنآء } ، فبناء السماء على الأرض كهيئة القبة، وهي سقف على الأرض. وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة في قول الله { والسماء بنآء } قال: جعل السماء سقفا لك. وإنما ذكر السماء والأرض جل ثناؤه فيما عدد عليهم من نعمه التي أنعمها عليهم، لأن منهما أقواتهم وأرزاقهم ومعايشهم، وبهما قوام دنياهم، فأعلمهم أن الذي خلقهما وخلق جميع ما فيهما وما هم فيه من النعم هو المستحق عليهم الطاعة، والمستوجب منهم الشكر والعبادة دون الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع.
Unknown page