342

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

فمآ أصبرهم على النار

[البقرة: 175]. وأما قوله ينعق فإنه يصوت بالغنم النعيق والنعاق، ومنه قول الأخطل:

فانعق بضأنك يا جرير فإنما

منتك نفسك في الخلاء ضلالا

يعني: صوت به. القول في تأويل قوله تعالى: { صم بكم عمي فهم لا يعقلون }. يعني تعالى ذكره بقوله: { صم بكم عمي } هؤلاء الكفار الذين مثلهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، صم عن الحق فهم لا يسمعون، بكم يعني خرس عن قيل الحق والصواب والإقرار بما أمرهم الله أن يقروا به وتبيين ما أمرهم الله تعالى ذكره أن يبينوه من أمر محمد صلى الله عليه وسلم للناس، فلا ينطقون به ولا يقولونه ولا يبينونه للناس، عمي عن الهدى وطريق الحق فلا يبصرونه. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد عن سعيد، عن قتادة قوله: { صم بكم عمي } يقول: صم عن الحق فلا يسمعونه ولا ينتفعون به ولا يعقلونه، عمي عن الحق والهدى فلا يبصرونه، بكم عن الحق فلا ينطقون به. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { صم بكم عمي } يقول عن الحق. حدثني المثنى قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { صم بكم عمي } يقول: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه. وأما الرفع في قوله: { صم بكم عمي } فإنه أتاه من قبل الابتداء والاستئناف، يدل على ذلك قوله: { فهم لا يعقلون } كما يقال في الكلام: هو أصم لا يسمع، وهو أبكم لا يتكلم.

[2.172]

يعني تعالى ذكره بقوله: { يا أيها الذين آمنوا } يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا لله بالعبودية، وأذعنوا له بالطاعة. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: { يا أيها الذين آمنوا } يقول: صدقوا. { كلوا من طيبات ما رزقناكم } يعني: أطعموا من حلال الرزق الذي أحللناه لكم، فطاب لكم بتحليلي إياه لكم مما كنتم تحرمون أنتم ولم أكن حرمته عليكم من المطاعم والمشارب. { واشكروا لله } يقول: وأثنوا على الله بما هو أهله منكم على النعم التي رزقكم وطيبها لكم، { إن كنتم إياه تعبدون } يقول: إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين، فكلوا مما أباح لكم أكله وحلله وطيبه لكم، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان. وقد ذكرنا بعض ما كانوا في جاهليتهم يحرمونه من المطاعم، وهو الذي ندبهم إلى أكله ونهاهم عن اعتقاد تحريمه، إذ كان تحريمهم إياه في الجاهلية طاعة منهم للشيطان واتباعا لأهل الكفر منهم بالله من الآباء والأسلاف. ثم بين لهم تعالى ذكره ما حرم عليهم، وفصل لهم مفسرا.

[2.173]

يعني تعالى ذكره بذلك: لا تحرموا على أنفسكم ما لم أحرمه عليكم أيها المؤمنون بالله وبرسوله من البحائر والسوائب ونحو ذلك، بل كلوا ذلك فإني لم أحرم عليكم غير الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغيري. ومعنى قوله: { إنما حرم عليكم الميتة }: ما حرم عليكم إلا الميتة: «وإنما»: حرف واحد، ولذلك نصبت الميتة والدم، وغير جائز في الميتة إذا جعلت «إنما» حرفا واحدا إلا النصب، ولو كانت «إنما» حرفين وكانت منفصلة من «إن» لكانت الميتة مرفوعة وما بعدها، وكان تأويل الكلام حينئذ: إن الذي حرم الله عليكم من المطاعم الميتة والدم ولحم الخنزير لا غير ذلك. وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأ ذلك كذلك على هذا التأويل. ولست للقراءة به مستجيزا، وإن كان له في التأويل والعربية وجه مفهوم، لاتفاق الحجة من القراء على خلافه، فغير جائز لأحد الاعتراض عليهم فيما نقلوه مجمعين عليه، ولو قرىء في «حرم» بضم الحاء من «حرم» لكان في الميتة وجهان من الرفع: أحدهما من أن الفاعل غير مسمى، و«إنما» حرف واحد. والآخر «إن» و«ما» في معنى حرفين، و«حرم» من صلة «ما»، والميتة خبر «الذي» مرفوع على الخبر، ولست وإن كان لذلك أيضا وجه مستجيزا للقراءة به لما ذكرت. وأما الميتة فإن القراء مختلفة في قراءتها، فقرأها بعضهم بالتخفيف ومعناه فيها التشديد، ولكنه يخففها كما يخفف القائلون: هو هين لين الهين اللين، كما قال الشاعر:

ليس من مات فاستراح بميت

Unknown page