Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
وفي هذه الآية وجهان من التأويل: أحدهما أن تكون الهاء والميم من قوله: { وإذا قيل لهم } عائدة على «من» في قوله: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا } فيكون معنى الكلام: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا، وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا. والآخر أن تكون الهاء والميم اللتان في قوله: { وإذا قيل لهم } من ذكر «الناس» الذين في قوله: { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا } فيكون ذلك انصرافا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب كما في قوله تعالى ذكره:
حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة
[يونس: 22]. وأشبه عندي وأولى بالآية أن تكون الهاء والميم في قوله لهم من ذكر «الناس»، وأن يكون ذلك رجوعا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب، لأن ذلك عقيب قوله: { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض } فلأن يكون خبرا عنهم أولى من أن يكون خبرا عن الذين أخبر أن منهم من يتخذ من دون الله أندادا مع ما بينهما من الآيات وانقطاع قصصهم بقصة مستأنفة غيرها، وإنما نزلت في قوم من اليهود قالوا ذلك إذ دعوا إلى الإسلام. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه، وحذرهم عقاب الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا فإنهم كانوا أعلم وخيرا منا فأنزل الله من قولهم ذلك: { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون }. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس، مثله، إلا أنه قال: فقال له أبو رافع بن خارجة ومالك بن عوف. وأما تأويل قوله: { اتبعوا ما أنزل الله } فإنه: اعملوا بما أنزل الله في كتابه على رسوله، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، واجعلوه لكم إماما تأتمون به، وقائدا تتبعون أحكامه. وقوله: { ألفينا عليه آباءنا } يعني وجدنا، كما قال الشاعر:
فألفيته غير مستعتب
ولا ذاكر الله إلا قليلا
يعني وجدته. وكما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة: { قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا } أي ما وجدنا عليه آباءنا.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. فمعنى الآية: وإذا قيل لهؤلاء الكفار كلوا مما أحل الله لكم ودعوا خطوات الشيطان وطريقه واعملوا بما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه، استكبروا عن الإذعان للحق، وقالوا: بل نأتم بآبائنا فنتبع ما وجدناهم عليه من تحليل ما كانوا يحلون وتحريم ما كانوا يحرمون قال الله تعالى ذكره: { أولو كان آباؤهم } يعني آباء هؤلاء الكفار الذين مضوا على كفرهم بالله العظيم لا يعقلون شيئا من دين الله وفرائضه وأمره ونهيه، فيتبعون على ما سلكوا من الطريق ويؤتم بهم في أفعالهم ولا يهتدون لرشد فيهتدي بهم غيرهم، ويقتدي بهم من طلب الدين، وأراد الحق والصواب؟ يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفار: فكيف أيها الناس تتبعون ما وجدتم عليه آباءكم فتتركون ما يأمركم به ربكم وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئا ولا هم مصيبون حقا ولا مدركون رشدا؟ وإنما يتبع المتبع ذا المعرفة بالشيء المستعمل له في نفسه، فأما الجاهل فلا يتبعه فيما هو به جاهل إلا من لا عقل له ولا تمييز.
[2.171]
اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: مثل الكافر في قلة فهمه عن الله ما يتلى عليه في كتابه وسوء قبوله لما يدعى إليه من توحيد الله ويوعظ به، مثل البهيمة التي تسمع الصوت إذا نعق بها ولا تعقل ما يقال لها. ذكر من قال ذلك: حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله: { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } قال: مثل البعير أو مثل الحمار تدعوه فيسمع الصوت ولا يفقه ما تقول. حدثني محمد بن عبد الله بن زريع، قال: ثنا يوسف بن خالد السمتي، قال: ثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع } قال : هو كمثل الشاة ونحو ذلك. حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } كمثل البعير والحمار والشاة إن قلت لبعضها كل لا يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك، وكذلك الكافر إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته لم يعقل ما تقول، غير أنه يسمع صوتك. حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: مثل الدابة تنادي فتسمع ولا تعقل ما يقال لها، كذلك الكافر يسمع الصوت ولا يعقل. حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد: { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع } قال: مثل الكافر مثل البهيمة تسمع الصوت ولا تعقل. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { كمثل الذي ينعق } مثل ضربه الله للكافر يسمع ما يقال له ولا يعقل، كمثل البهيمة تسمع النعيق ولا تعقل. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } يقول: مثل الكافر كمثل البعير والشاة يسمع الصوت ولا يعقل ولا يدري ما عني به. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } قال: هو مثل ضربه الله للكافر، يقول: مثل هذا الكافر مثل هذه البهيمة التي تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها، فكذلك الكافر لا ينتفع بما يقال له.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: هو مثل الكافر يسمع الصوت ولا يعقل ما يقال له. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: سألت عطاء، ثم قلت له: يقال لا تعقل ، يعني البهيمة، إلا أنها تسمع دعاء الداعي حين ينعق بها، فهم كذلك لا يعقلون وهم يسمعون. فقال: كذلك. قال: وقال مجاهد: «الذي ينعق» الراعي «بما لا يسمع» من البهائم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: كمثل الذي ينعق الراعي بما لا يسمع من البهائم. حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } لا يعقل ما يقال له إلا أن تدعى فتأتي أو ينادى بها فتذهب، وأما الذي ينعق فهو الراعي الغنم كما ينعق الراعي بما لا يسمع ما يقال له، إلا أن يدعى أو ينادى، فكذلك محمد صلى الله عليه وسلم يدعو من لا يسمع إلا خرير الكلام يقول الله:
Unknown page