Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
[البقرة: 163] قال المشركون: إن كان هذا هكذا فليأتنا بآية فأنزل الله تعالى ذكره: { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار... } الآية. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق بن الحجاج، ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، قال: حدثني سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى، قال: لما نزلت
وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم
[البقرة: 163] قال المشركون: إن كان هذا هكذا فليأتنا بآية فأنزل الله تعالى ذكره إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار... الآية. حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، قال: حدثني سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى، قال: لما نزلت هذه الآية جعل المشركون يعجبون ويقولون: تقول إلهكم إله واحد، فلتأتنا بآية إن كنت من الصادقين فأنزل الله: { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار.
.. } الآية. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح: أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أرنا آية فنزلت هذه الآية: { إن في خلق السموات والأرض }. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد، قال: سألت قريش اليهود، فقالوا: حدثونا عما جاءكم به موسى من الآيات فحدثوهم بالعصا وبيده البيضاء للناظرين، وسألوا النصارى عما جاءهم به عيسى من الآيات، فأخبروهم أنه كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله. فقالت قريش عند ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا فنزداد يقينا، ونتقوى به على عدونا فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه، فأوحى إليه: إني معطيهم، فأجعل لهم الصفا ذهبا، ولكن إن كذبوا عذبتهم عذابا لم أعذبه أحدا من العالمين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" ذرني وقومي فأدعوهم يوما بيوم "
فأنزل الله عليه: { إن في خلق السموات والأرض } الآية، إن في ذلك لآية لهم، إن كانوا إنما يريدون أن أجعل لهم الصفا ذهبا، فخلق الله السموات والأرض واختلاف الليل والنهار أعظم من أن أجعل لهم الصفا ذهبا ليزدادوا يقينا. حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار } فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: غير لنا الصفا ذهبا إن كنت صادقا أنه منه فقال الله: إن في هذه الآيات لآيات لقوم يعقلون. وقال: قد سأل الآيات قوم قبلكم، ثم أصبحوا بها كافرين. والصواب من القول في ذلك، أن الله تعالى ذكره نبه عباده على الدلالة على وحدانيته وتفرده بالألوهية دون كل ما سواه من الأشياء بهذه الآية. وجائز أن تكون نزلت فيما قاله عطاء، وجائز أن تكون فيما قاله سعيد بن جبير وأبو الضحى، ولا خبر عندنا بتصحيح قول أحد الفريقين يقطع العذر فيجوز أن يقضي أحد لأحد الفريقين بصحة قول على الآخر. وأي القولين كان صحيحا فالمراد من الآية ما قلت. القول في تأويل قوله تعالى: { إن في خلق السموات والأرض }. يعني تعالى ذكره بقوله: { إن في خلق السموات والأرض } إن في إنشاء السموات والأرض وابتداعهما. ومعنى خلق الله الأشياء: ابتداعه وإيجاده إياها بعد أن لم تكن موجودة. وقد دللنا فيما مضى على المعنى الذي من أجله قيل «الأرض» ولم تجمع كما جمعت السموات، فأغنى ذلك عن إعادته. فإن قال لنا قائل: وهل للسموات والأرض خلق هو غيرها فيقال: إن في خلق السموات والأرض؟ قيل: قد اختلف في ذلك، فقال بعض الناس: لها خلق هو غيرها، واعتلوا في ذلك بهذه الآية، وبالتي في سورة الكهف:
مآ أشهدتهم خلق السموت والأرض ولا خلق أنفسهم
[الكهف: 51] وقالوا: لم يخلق الله شيئا إلا والله له مريد. قالوا: فالأشياء كانت بإرادة الله، والإرادة خلق لها. وقال آخرون: خلق الشيء صفة له، لا هي هو ولا غيره. قالوا: لو كان غيره لوجب أن يكون مثله موصوفا. قالوا: ولو جاز أن يكون خلقه غيره وأن يكون موصوفا لوجب أن تكون له صفة هي له خلق، ولو وجب ذلك كذلك لم يكن لذلك نهاية. قالوا: فكان معلوما بذلك أنه صفة للشيء. قالوا: فخلق السموات والأرض صفة لهما على ما وصفنا. واعتلوا أيضا بأن للشيء خلقا ليس هو به من كتاب الله بنحو الذي اعتل به الأولون. وقال آخرون: خلق السموات والأرض وخلق كل مخلوق، هو ذلك الشيء بعينه لا غيره. فمعنى قوله: { إن في خلق السموات والأرض }: إن في السموات والأرض. القول في تأويل قوله تعالى: { واختلاف الليل والنهار }. يعني تعالى ذكره بقوله: { واختلاف الليل والنهار } وتعاقب الليل والنهار عليكم أيها الناس. وإنما الاختلاف في هذا الموضع الافتعال من خلوف كل واحد منهما الآخر، كما قال تعالى ذكره:
وهو الذي جعل اليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا
[الفرقان: 62] بمعنى: أن كل واحد منهما يخلف مكان صاحبه، إذا ذهب الليل جاء النهار بعده، وإذا ذهب النهار جاء الليل خلفه ومن ذلك قيل: خلف فلان فلانا في أهله بسوء، ومنه قول زهير:
Unknown page